أنجشة.. والدعاة الحداة

18/08/2019| إسلام ويب

الدعاة كالحداة.. والحادي هو الذي يتقدم القافلة فيحدو لها بصوت رخيم؛ ليسرع سيرها ويهون عليها مشقة الطريق.
فدور الحادي هو أن يحسن حداءه، ويجمل صوته، ويرتقي في أدائه حتى تسرع الإبل المسير، وتغفل عن التعب والإرهاق.. وإلا تأخرت القافلة وتعبت الدابة.

ومع ذلك ينبغي على الحادي أن يرفق بالقافلة ومن فيها، خصوصا إذا كان فيها ضعفة ونساء لا يتحملون اعتناق الإبل، أي سيرها سيرا حثيثا يجعلها تهتز هزا شديدا.
وهذا ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنجشة الحادي حين قال له: [رويدك يا أنجشة رفقا بالقوارير].
فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد أو غلام أسود يقال له أنجشة، وكان حسن الصوت، فكان يحدو بالإبل التي فيها النساء، كما كان البراء بن مالك يحدو بإبل الرجال. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان أنجشة يحدو بالنساء، وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال".

والحداء شعر يقال بصوت جميل وأداء معين حسن، تطرب النوق لسماعه طربا يجعلها تحث السير وتقطع المسافات الطوال دون أن تحس بالتعب والإرهاق، فتمشي مشيا حثيثا يجعلها تهتز هزا شديدا.
وقد روى البخاري بسنده ‏عَنْ ‏أَنَسٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏[أَنَّ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏كَانَ فِي سَفَرٍ وَكَانَ غُلَامٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ ‏أَنْجَشَةُ ‏فَقَالَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏رُوَيْدَكَ يَا ‏أَنْجَشَةُ ‏سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ].. ‏قَالَ ‏أَبُو قِلَابَةَ: ‏يَعْنِي النِّسَاءَ...

قال أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب": "أنجشة العبد الأسود، كان يسوق أو يقود بنساء النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، وكان حسن الصوت، وكان إذا حدا اعتنقت الإبل، فقال: [يا أنجشة رويدك بالقوارير].
فخاف صلى الله عليه وآله وسلم أن يزعج انبعاثُ الناقة للمشي النساء اللواتي على ظهورها، وتكلم هو بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه شفقة بهذا المخلوق الضعيف الذي قد يضر به هز الناقة أو يزعجها في هودجها.

قال القاضي عياض: "قوله رويدا منصوب على أنه صفة لمحذوف دل عليه اللفظ، أي سق سوقا رويدا، أو أحد حدوا رويدا" وقال السهيلي: "رويدا أي ارفق".
وقال الخطابي: "كان أنجشة أسود، وكان في سوقه عنف فأمره أن يرفق بالمطايا".

والصحيح أن الرفق ـ وإن كان مطلوبا للحيوان والإبل ـ إلا أنه هنا في الحديث المقصود به النساء راكبات الإبل، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: رويدك سوقا بالقوارير.
قال ابن بطال: القوارير كناية عن النساء اللاتي كن على الإبل التي تساق حينئذ، فأمر الحادي بالرفق في الحداء؛ لأنه يحث الإبل حتى تسرع، فإذا أسرعت لم يؤمن على النساء السقوط، وإذا مشت رويدا أمن على النساء السقوط.
قال القرطبي في "المفهم في شرح صحيح مسلم": " شبههن بالقوارير لسرعة تأثرهن وعدم تجلدهن، فخاف عليهن من حث السير بسرعة السقوط أو التألم من كثرة الحركة والاضطراب الناشئ عن السرعة".

الداعية الحادي
والمقصود.. أن دور الحادي هو أن يسرع بالإبل ويرفق بالقوارير.. وإلا تأخرت القافلة وتعبت الدابة.

يقول الأستاذ "خالد حمدي" في مقال له:
والأمة أحوج ما تكون إلى (أنجشة) حسن الصوت، يحفظ الطريق، ويرفق بالضعيف..

نحتاج إلى حداة يحدثون الناس عن نعيم القبر قبل عذابه.
وعن قرب انبثاق الفجر، لا طول اسوداد الليل..
وعن تبشير أهل الكتاب بالإسلام قبل تكفيرهم.

نحتاج إلى كل حاد... حلو اللسان، عميق الإيمان، واسع الجنان... يعين الناس على جفوة الحياة وجور السلطان.

كان الناس يعشقون معاذ بن جبل البشوش البسوم النبيل الذي أسلم بأخلاقه أهل اليمن جميعا.
وكانت قريش المشركة تحب عثمان ـ رغم كفرها وإيمانه ـ حتى كانت المرأة من قريش تهدهد طفلها وهي تغني له وتقول:
أحبك والرحمن... حب قريش لعثمان

قلوب الناس متعبة، ونفوسهم مجهدة، وجيوبهم تكاد من فراغها تذهب بعقولهم...
وأصحاب العلل يحتاجون لرقة عيسى عليه السلام يوم أن رأوه يخرج من بيت غانية أمعن الناس في سبها ولم يتعبوا أنفسهم في نصحها فقال لهم:
وهل يذهب الطبيب إلا للمريض؟!!

لم تتأخر قوافلنا إلا لتلكؤ حادينا...وقلة ناشري الخير وباعثي النور فينا..
وإن لم يستفق الحداة وينتبه الحراس أسرع إليها قطاع الطريق، وما أكثرهم على مكامن الجبال!!

الدنيا ملآى بالخير...لكن العين بها رمد..
والخير باق في هذه الأمة إلى يوم القيامة، ولكنها تنتظر من ينقب عنه ويستخرجه.

إن هذه الأمة والله عجيبة..
فأمة صنع بها أعداؤها كل هذا لأكثر من مائة عام ثم ما زالت تصدح بالأذان، ويحفظ ملايينها القرآن، وتجاهد عدوها في كل مكان... لهي أمة تستحق أن يتطوع من أجل إنقاذها ملايين الفارسات والفرسان...
فكونوا منهم..
فقد أوشكت والله القافلة على بلوغ النهاية.... وعند الصباح يحمد القوم السرى.
 

www.islamweb.net