حديث القرآن عن القرآن 1-1

28/06/2022| إسلام ويب

حديث القرآن عن القرآن وبيان أوصافه ومكانته مما تكرر ذكره في ثنايا القرآن الكريم، فهو حديث ملحوظ، وقضية ذات أهمية بالغة، يدل على ذلك تكررها والتأكيد عليها في مواضع كثيرة، فهو يصف القرآن بأروع الصفات، ويبين موقف الناس من هذا القرآن.

صفات تطابق الأسماء الحسنى لله تعالى:

فوصف الله القرآن بالعظيم: (وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ) (الحجر: 87)، ووصفه بأنه الحق: (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) (فاطر: 31)، وسمي القرآن الحق لكثرة ما اشتمل عليه من الحق فكأن الحق منحصر فيه، ووصفه بالحكيم: (يس وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ) (يس: 1- 2)، وحكيم ذو حكمة بالغة، والحكمة وضع كل شيء موضعه، وفي القرآن نرى وضع أحكامه الشرعية والجزائية في محلها اللائق بها، فليس فيه حكم مخالف للحكمة والعدل والميزان، ووصفه بالمجيد: (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ) (ق: 1)، والمجد هو سعة الأوصاف وعظمتها، وأحق كلام يوصف بهذا هو القرآن الكريم الذي احتوى على علوم الآخرين والأولين، وحوى من الفصاحة أكملها ومن الألفاظ أجملها ومن المعاني أعمقها وأحسنها فهو وسيع المعاني، كثير البركات، جزيل العبارات، ووصفه بالكريم: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ) (الواقعة: 77)، أي كثير الخير، غزير العلم، فكل خير وعلم يستفاد من كلام الله ويستنبط منه، ووصفه بالنور: (فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (التغابن: 8)، والنور ضد الظلمة، وما في القرآن من الأحكام والشرائع والأخبار لنور يهتدي به في ظلمات الجهل المدلهمة، ولولا القرآن لبقي الإنسان يتخبط في ظلمات العمى ودياجير الغواية، ووصفه بالعزة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) (فصلت: 41)، أي منيع من كل ما أراده بتحريف أو سوء أو أن يأتي بمثله، ووصفه بالعلو: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الزخرف: 4)، أي علي في قدره وشرفه ومحله.

صفات القرآن المتعلقة بالمؤمنين:

إن في القرآن صفات جليلة عظيمة النفع لا ينتفع بها سوى المؤمنون ومن هذه الصفات أنه: هدى من الضلالة ومرشد للعباد في المسائل الأصولية والفرعية ومعين للحق على الباطل وهذا يؤكده قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء: 9)، وهو هدى للناس عامة: (هُدًى لِلنَّاسِ) (آل عمران: 4)، وكونه هدى للناس عامة لا يناقض قولنا إن المؤمنين وحدهم هم الذين ينتفعون بالقرآن، لأن الهداية نوعان: هداية البيان وهداية التوفيق، فالمؤمنون حصلت لهم الهدايتان وغيرهم حدثت لهم هداية البيان ولم تحدث لهم هداية التوفيق.

وهو شفاء كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 57)، فهو شفاء للمؤمنين من الأسقام البدنية والقلبية لأنه يزجر عن مساوئ الأخلاق وقبيح الأعمال ويحث على التوبة النصوح التي تغسل الذنوب وتشفي القلوب، وهو رحمة كما في قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) (الإسراء: 82)، هو رحمة لأن به سعادة أهله في الدنيا والآخرة، وهو بشرى كما في قوله تعالى: (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (النمل: 2)، إذ به البشارة بالخير الدنيوي والآخرون لمن آمن به، وهذا يؤكده قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء: 9)، وهو موعظة كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (النور: 34)، فهو موعظة لما فيه من وعد ووعيد وترغيب وتهذيب، وهو تذكرة كما في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (الحاقة: 48)، إذ يذكرهم بالتوحيد والإيمان والعمل الصالح، والأخلاق الحسنة، وهو ذكرى كما في قوله تعالى: (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف: 2)، هو ذكرى للمؤمنين يتذكرون به ما ينفعهم وما يضرهم، ويتذكرون به ربهم وأسماءه وصفاته وما إلى ذلك، وهو ذكر كما في قوله تعالى: (قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا) (الطلاق: 10)، إذ يذكر المؤمنين بالخير والشر، وفوق ذلك كله هو فخر للرسول صل الله عليه وسلم ولقومه ومنقبة جليلة ونعمة عظيمة لهم كما في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف: 44).

صفات القرآن العامة:

وصفه الله بأنه بيان للناس: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 138)، وتبيان: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل: 89)، ومبين: (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) (الدخان: 1- 2)، وبينة: (فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ) (الأنعام: 157).

وبيان وتبيان ومبين وبينة صفات متقاربة المعاني تشير إلى أن القرآن الكريم يبين للناس الأمور على جليتها، فهو يبين لهم كل ما يحتاجونه من أصول الدين وفروعه ومعرفة ربهم ومعرفة حقوقه ومعرفه أوليائه وأعدائه ومعرفة ثواب الأعمال وجزاء العمل ويصدق ذلك قوله تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام: 38).

ووصفه بالفرقان: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان: 1)، أي الفارق بين الحق والباطل والحلال والحرام والهدى والضلال، وبصائر للناس: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (الجاثية: 20)، بمعنى أنه معالم يتبصرون بها في الأحكام والحدود وغير ذلك، ووصفه بأنه مبارك: (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (الأنبياء: 50)، فلا شيء أعظم بركة من هذا القرآن، فإن كل خير ونعمة وزيادة دنيوية أو آخروية بسببه وأثر عن العمل به، ووصفه بأنه الصدق: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (الزمر: 33)، ومصدق للكتب القديمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) (النساء: 47)، أي موافقا لها لا مخالفا ولا مناهضا، أو بمعنى أن تلك الكتب أخبرت بالقرآن فلما وقع الخبر كان القرآن تصديقا لذلك، ووصفه بأنه عربي: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف: 2)، ذلك أن لغة العرب هي أفصح اللغات وأبينها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم النفوس، وقريش تفهم تلك اللغة ولا يخفى عليها ألفاظها ومعانيها، ولو جعل القرآن بلغة أخرى لاعترض المكذبون وقالوا هلا بينت آياته ووضحت كما في قوله تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ) (فصلت: 44)، وقيما: (قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) (الكهف: 2)، أي مستقيما غير ذي عوج.

وهذه الآية تحمل دررا في وصف القرآن الكريم: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 23)، فهو (أحسن الحديث) وهذا مدح من الله عز وجل لكتابه القرآن العظيم، وأعظم به من مدح، فأحسن الحديث على الإطلاق كلام الله، وأحسن الكتب المنزلة من كلام الله هذا القرآن، فهو الأحسن لفظا ومعنى، فتشريعاته أحسن التشريعات، وعقائده أحسن العقائد، وأسلوبه أحسن الأساليب وهكذا. وهو (كتابا متشابها)، أي متشابها في الحسن والائتلاف وعدم الاختلاف بوجه من الوجوه. وهو (مثاني)، أي أن الله تعالى ثنى فيه القصص، والأحكام، ودلائل التوحيد والنبوة، والوعد والوعيد، وصفات أهل الخير وصفات أهل الشر، وأسماء الله وصفاته)، فالقلب يحتاج دائما إلى تكرار معاني كلام الله، وربما لو تكرر المعنى مرة واحدة لم يقع منه موقعا ولم تحصل النتيجة منه. وقيل مثاني بذكر الشيء وضده كذكر المؤمنين ثم الكافرين، وكصفة الجنة ثم صفة النار وما أشبه بذلك. 

ملخص بتصرف من بحث بعنوان حديث القرآن عن القرآن للدكتور حمزة الحسن.

 

www.islamweb.net