ثم قال تعالى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى ذكر في ثلاثة مواضع من هذه السورة ، من قوله : ( تحريم الصيد على المحرم غير محلي الصيد وأنتم حرم ) إلى قوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) ومن قوله : ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) إلى قوله : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) .
المسألة الثانية : صيد البحر هو الذي لا يعيش إلا في الماء ، أما الذي لا يعيش إلا في البر والذي يمكنه أن يعيش في البر تارة وفي البحر أخرى ، فذاك كله صيد البر ، فعلى هذا السلحفاة والسرطان والضفدع وطير الماء ، كل ذلك من صيد البر ، ويجب على قاتله الجزاء .
المسألة الثالثة : اتفق المسلمون على أن المحرم يحرم عليه الصيد ، واختلفوا في ؟ فيه أربعة أقوال ، الأول : وهو قول الصيد الذي يصيده الحلال هل يحل للمحرم علي وابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير ، وذكره وطاوس الثوري وإسحاق ؛ أنه يحرم عليه بكل حال ، وعولوا فيه على قوله : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) وذلك لأن صيد البر يدخل فيه ما اصطاده المحرم وما اصطاده الحلال ، وكل ذلك صيد البر ، وروى أبو داود في سننه عن حميد الطويل عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال : الحارث خليفة عثمان على الطائف فصنع لعثمان طعاما ، وصنع فيه الحجل واليعاقيب ولحوم الوحش ، فبعث إلى عليه السلام فجاءه الرسول فجاء ، فقالوا له : كل ، فقال علي بن أبي طالب علي : أطعمونا قوتا حلالا فإنا حرم ، ثم قال علي عليه السلام : أنشد الله من كان هاهنا من أشجع ، أتعلمون أن رسول الله أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله ؟ فقالوا : نعم . كان
والقول الثاني : أن لحم الصيد مباح للمحرم بشرط أن لا يصطاده المحرم ولا يصطاد له ، وهو قول رحمه الله ، والحجة فيه ما روى الشافعي أبو داود في سننه عن جابر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : . صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم
والقول الثالث : أنه إذا صيد للمحرم بغير إعانته وإشارته حل له ، وهو قول رحمه الله ، روي أبي حنيفة أبي قتادة أنه اصطاد حمار وحش وهو حلال في أصحاب محرمين له ، فسألوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنه فقال : هل أشرتم ، هل أعنتم ؟ فقالوا : لا . فقال : هل بقي من لحمه شيء ؟ أوجب الإباحة عند عدم الإشارة والإعانة من غير تفصيل . عن
[ ص: 83 ] واعلم أن هذين القولين مفرعان على تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد .
والثاني في غاية الضعف .
ثم قال تعالى : ( واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) والمقصود منه التهديد ليكون المرء مواظبا على الطاعة محترزا عن المعصية .