( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون )
قوله تعالى : ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون )
اعلم أن ههنا مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم : " ثم لم تكن فتنتهم " بالتاء المنقطة من فوق ، وفتنتهم بالرفع ، وقرأ حمزة والكسائي : " ثم لم يكن " بالياء وفتنتهم بالنصب ، وأما القراءة بالتاء المنقطة من فوق ونصب الفتنة ، فههنا قوله أن قالوا : في محل الرفع لكونه اسم تكن ، وإنما أنث لتأنيث الخبر كقوله من كانت أمك [ ص: 151 ] أو لأن ما قالوا فتنة في المعنى ، ويجوز تأويل إلا أن قالوا لا مقالتهم . وأما القراءة بالياء المنقطة من تحت ، ونصب فتنتهم ، فههنا قوله : ( أن قالوا ) في محل الرفع لكونه اسم يكن ، وفتنتهم هو الخبر . قال الواحدي : الاختيار قراءة من جعل أن قالوا الاسم دون الخبر ؛ لأن أن إذا وصلت بالفعل لم توصف فأشبهت بامتناع وصفها المضمر ، فكما أن المظهر والمضمر إذا اجتمعا كان جعل المضمر اسما أولى من جعله خبرا ، فكذا ههنا تقول كنت القائم ، فجعلت المضمر اسما والمظهر خبرا فكذا ههنا ، ونقول قراءة حمزة والكسائي : والله ربنا بنصب قوله ربنا لوجهين :
أحدهما : بإضمار أعني وأذكر .
والثاني : على النداء ، أي والله يا ربنا ، والباقون بكسر الباء على أنه صفة لله تعالى .
المسألة الثانية : قال الزجاج : تأويل هذه الآية حسن في اللغة لا يعرفه إلا من عرف معاني الكلام وتصرف العرب في ذلك ، وذلك أن الله تعالى بين ، فأعلم في هذه الآية أنه لم يكن افتتانهم بشركهم وإقامتهم عليه ، إلا أن تبرأوا منه وتباعدوا عنه ، فحلفوا أنهم ما كانوا مشركين : ومثاله أن ترى إنسانا يحب عاريا مذموم الطريقة فإذا وقع في محنة بسببه تبرأ منه ، فيقال له : ما كانت محبتك لفلان ، إلا أن انتفيت منه ، فالمراد بالفتنة ههنا افتتانهم بالأوثان ، ويتأكد هذا الوجه بما روى كون المشركين مفتونين بشركهم متهالكين على حبه عطاء عن : أنه قال : ( ابن عباس ثم لم تكن فتنتهم ) معناه شركهم في الدنيا ، وهذا القول راجع إلى حذف المضاف ؛ لأن المعنى ثم لم تكن عاقبة فتنتهم إلا البراءة ، ومثله قولك ما كانت محبتك لفلان ، إلا أن فررت منه وتركته .