93- سورة الضحى
مكية وآيها إحدى عشرة.
لطيفة:
قال : ابن كثير روينا من طريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقرئ قال: قرأت على عكرمة بن سليمان، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد. فلما بلغت (والضحى) قال لي: كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة. فإنا قرأنا على فأمرنا بذلك. وأخبرنا أنه قرأ على ابن كثير فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك. وأخبره ابن عباس أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك، وأخبره أبي أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك. أبي بن كعب فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي ، من ولد القاسم بن أبي بزة. وكان إماما في القراءات. وأما في الحديث فقد ضعفه وقال: لا أحدث عنه. وكذلك أبو حاتم الرازي ، قال: هو منكر الحديث. أبو جعفر العقيلي
لكن حكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في (شرح الشاطبية) عن أنه سمع رجلا يكبر هذا التكبير في الصلاة، فقال: أحسنت وأصبت السنة. وهذا يقتضي صحة هذا الحديث. ثم اختلف القراء في موضع هذا التكبير وكيفيته. فقال بعضهم: الشافعي
يكبر من آخر والليل إذا يغشى وقال آخرون: من آخر والضحى وكيفية التكبير عند بعضهم أن يقول (الله أكبر) ويقتصر، ومنهم من يقول (الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر) وذكر القراء في مناسبة التكبير من أول سورة الضحى، أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتر تلك المدة، ثم جاء الملك فأوحى إليه "والضحى والليل إذا سجى" السورة بتمامها، كبر فرحا وسرورا، ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف. فالله أعلم.
[ ص: 6181 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى:
[ 1- 5 ] والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى
والضحى تقدم في سورة والشمس وضحاها تفسير الضحى بالضوء وارتفاع النهار ارتفاعا عاليا.
والليل إذا سجى أي: اشتد ظلامه. وأصله من التسجية وهي التغطية، لستره بظلمته. كما في آية وجعلنا الليل لباسا ما ودعك ربك جواب القسم، أي: ما تركك وما قطعك قطع المودع.
قال الشهاب في (العناية): فالتوديع مستعار استعارة تبعية للترك هنا، وفيه من اللطف والتعظيم ما لا يخفى; فإن الوداع إنما يكون بين الأحباب ومن تعز مفارقته، كما قال : المتنبي
حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا فلم أدر أي الظاعنين أشيع
وقال في (شرح الشفاء): الوداع له معنيان في اللغة: الترك وتشييع المسافر، فإن فسر بالثاني هنا على طريق الاستعارة يكون فيه إيماء إلى أن الله لم يتركه أصلا، فإنه معه أينما كان. وإنما الترك لو تصور في جانبه، ظاهر مع دلالته بهذا المعنى على الرجوع; فالتوديع إنما يكون لمن يحب ويرجى عوده، وإليه أشار الأرجاني بقوله:
[ ص: 6182 ]
إذا رأيت الوداع فاصبر ولا يهمنك البعاد
وانتظر العود عن قريب فإن قلب الوداع عادوا
فقوله: وما قلى مؤكد له. (قال): وهذا لم أر من ذكره مع غاية لطفه، وكلهم فسروه بالمعنى الأول. ولما رأوا صيغة الفعل تفيد زيادة المعنى والمبالغة فيه، فيقتضي الانقطاع التام، قالوا: إن المبالغة في النفي لا في المنفي فتركه لحكم عليه، لا لضرره بهجره، أو لنفي القيد والمقيد. وقرئ: ما ودعك بالتخفيف. وورد في الحديث . وورد في الشعر، كقوله: « شر الناس من ودعه الناس اتقاء فحشه »
فكان ما قدموا لأنفسهم أعظم نفعا من الذي ودعوا
ولهذا قال في (المصباح) بهذا: اعلم أن قولهم في علم التصريف: أماتوا ماضي يدع ويذر خطأ، وجعله استعارة من الوديعة تعسف. انتهى.
وكذا قال في (المستوفي): إنه كله ورد في كلام العرب، ولا عبرة بكلام النحاة فيه، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وإن كان نادرا. انتهى.
وقوله تعالى:
وما قلى أي: وما أبغضك. والقالي: المبغض. يعني ما هجرك عن بغض.
قال الشهاب: وحذف مفعول "قلى" اختصارا للعلم به، وليجري على نهج الفواصل التي بعده، أو لئلا يخاطبه بما يدل على البغض.
تنبيه:
روى : عن ابن جرير ابن عباس جبريل أياما » [ ص: 6183 ] فعير بذلك; فقال المشركون: ودعه ربه وقلاه; فأنزل الله هذه الآية، وفي رواية: أن قائل ذلك امرأة أبي لهب، وفي أخرى أنها رضي الله عنها. خديجة ولا تنافي، لاحتمال صدوره من الجميع، إلا أن قول المشركين وقول « أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه القرآن أبطأ عنه -إن صح -توجع وتحزن- وفي رواية خديجة إسماعيل مولى آل الزبير قال: فتر الوحي حتى شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وأحزنه. فقال: « لقد خشيت أن يكون صاحبي قلاني » فجاء جبريل بسورة "والضحى".
وللآخرة خير لك من الأولى قال : أي: وللدار الآخرة وما أعد الله لك فيها، خير لك من الدار الدنيا وما فيها. يقول: فلا تحزن على ما فاتك منها، فإن الذي لك عند الله خير لك منها. وقال ابن جرير القاضي: أو: لنهاية أمرك خير من بدايته. فإنه صلى الله عليه وسلم لا يزال يتصاعد في الرفعة والكمال.
ولسوف يعطيك ربك فترضى أي: يعطيك من فواضل نعمه في العقبى حتى ترضى، وهذه عدة كريمة شاملة لما أعطاه الله تعالى في الدنيا من كمال النفس وعلوم الأولين والآخرين، وظهور الأمر وإعلاء الدين، بالفتوح الواقعة في عصره عليه الصلاة والسلام، وفي أيام خلفائه الراشدين وغيرهم من ملوك الإسلام، وفشو دعوته في مشارق الأرض ومغاربها، ولما ادخر له من الكرامات التي لا يعلمها إلا الله تعالى. وبالجملة فهذه الآية جامعة لوجوه الكرامة وأنواع السعادة وشتات الإنعام في الدارين، حيث أجمله ووكله إلى رضاه وهذا غاية الإحسان والإكرام.
تنبيه:
قال في (المواهب اللدنية): وأما ما يغتر به الجهال من أنه لا يرضى واحدا من أمته في النار أو لا يرضى أن يدخل أحد من أمته النار، فهو من غرور الشيطان لهم، ولعبه بهم; فإنه صلوات الله عليه وسلامه يرضى بما يرضى به ربه تبارك وتعالى، وهو سبحانه وتعالى وقد ولع الحشوية بتقوية أمثال هذه الآثار المفتراة تغريرا للجهال وتزيينا لموارد الضلال. ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقوله تعالى: يدخل النار من يستحقها من الكفار والعصاة،
[ ص: 6184 ]