الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( أن اقذفيه ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : أن هي المفسرة لأن الوحي بمعنى القول .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : القذف مستعمل في معنى الإلقاء والوضع ومنه قوله تعالى : ( وقذف في قلوبهم الرعب ) [ الأحزاب : 26 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : روي أنها اتخذت تابوتا وجعلت فيه قطنا محلوجا ووضعت فيه موسى عليه السلام وقيرت رأسه وشقوقه بالقار ثم ألقته في النيل وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون فبينا هو جالس على رأس البركة مع امرأته آسية إذ بتابوت يجيء به الماء ، فلما رآه فرعون أمر الغلمان والجواري بإخراجه فأخرجوه وفتحوا رأسه ، فإذا صبي من أصبح الناس وجها فلما رآه فرعون أحبه وسيأتي تمام القصة في سورة القصص ، قال مقاتل : إن الذي صنع التابوت حزقيل مؤمن آل فرعون .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : اليم هو البحر والمراد به ههنا نيل مصر في قول الجميع ، واليم اسم يقع على البحر وعلى النهر العظيم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : قال الكسائي الساحل فاعل بمعنى مفعول ; سمي بذلك لأن الماء يسحله أي يقذفه إلى أعلاه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : قال صاحب " الكشاف " الضمائر كلها راجعة إلى موسى عليه السلام ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت يؤدي إلى تنافر النظم فإن قيل المقذوف في البحر هو التابوت وكذلك الملقى إلى الساحل قلنا لا بأس بأن يقال المقذوف والملقى هو موسى عليه السلام في جوف التابوت حتى لا تتفرق الضمائر ولا يحصل التنافر .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السابعة : لما كان تقدير الله تعالى أن يجري ماء اليم ويلقي بذلك التابوت إلى الساحل سلك في ذلك سبيل المجاز وجعل اليم كأنه ذو تمييز ، أمر بذلك ليطيع الأمر ويمتثل رسمه فقيل : ( فليلقه اليم بالساحل ) أما قوله : ( يأخذه عدو لي وعدو له ) ففيه أبحاث :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : قوله : ( يأخذه ) جواب الأمر أي اقذفيه يأخذه .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 47 ] البحث الثاني : في كيفية الأخذ قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أن امرأة فرعون كانت بحيث تستسقي الجواري فبصرت بالتابوت فأمرت به فأخذت التابوت ، فيكون المراد من أخذ فرعون التابوت قبوله له واستحبابه إياه .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن البحر ألقى التابوت بموضع من الساحل فيه فوهة نهر فرعون ثم أداه النهر إلى بركة فرعون فلما رآه أخذه .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثالث : قوله : ( يأخذه عدو لي وعدو له ) فيه إشكال وهو أن موسى عليه السلام لم يكن ذلك الوقت بحيث يعادى . وجوابه : أما كونه عدوا لله من جهة كفره وعتوه فظاهر ، وأما كونه عدوا لموسى عليه السلام فيحتمل من حيث إنه لو ظهر له حاله لقتله ، ويحتمل أنه من حيث يئول أمره إلى ما آل إليه من العداوة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية