الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبعاد التربية الإسلامية

أبعاد التربية الإسلامية

مفهوم البعد :
البعد في اللغة اتساع المدى ورجل ذو بعد أي ذو رأي عميق وحزم - كما جاء في المعجم الوسيط . وأبعاد الشعور في الدراسات النفسية هي مظاهر عملياته من قوة أو ضعف ، ووضوح أو غموض وطول أو قصر . ويشير البعد في العلوم التطبيقية إلى العلاقة التي يتحدد لها مقدار ما بالنسبة إلى المقادير الأساسية وهي الطول والوزن والكتلة .
وأبعاد التربية الإسلامية هي المدى الواسع الذي تتحرك فيه العملية التربوية الإسلامية بمفاهيمهخا ومضامينها قياسًا بالمذاهب التربوية الأخرى قديمها وحديثها .
وكل شأن من شؤون الحياة التي تتعلق بالعمل الجماعي لا بد أن تتحقق فيه خطوات ثلاث هي :
الخطوة الأولى : التصور أو الهدف .
الخطوة الثانية : خطة مرسومة لهذا الهدف .
الخطوة الثالثة : تنفيذ هذه الخطة بصورة أقرب إلى الكمال والمثال .
أبعاد التربية الإسلامية :
يمكن القول بوجود أبعاد خمسة للتربية الإسلامية هي :
البعد العقائدي.
البعد الإنساني
.البعد الأخلاقي .
البعد المعرفي .
البعد الاجتماعي .
البعد العقائدي :
* البعد العقائدي هو أسُّ أبعاد التربية الإسلامية وعليه تُبنى بقية الأبعاد الأخرى ، ويقوم هذا البعد على معرفة أن الله تعالى إله واحد وربٌ موجدٌ . واعتادها بالقلب ، وممارسة مقتضياتها بالعمل .
* تتضح هذه المعرفة في قوله تعالى :
(فاعلم أنه لا إله إلا الله ..) الآية : 19 - سورة محمد .
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ...) الآية : 18- سورة آل عمران .
* ويترتب على مضمون الآيتين أمران هما :
توحيد الله سبحانه وتعالى .
وقيامه سبحانه وتعالى بالعدل والقسط .
* والأمر الثاني لازم للأول ، لا ينفصل عنه بحيث لا يمكن أن نتصور وجود مجتمع إسلامي موحد لا يقام فيه العدل ، فإن وُجدَ لزمنا إعادة النظر في صور التوحيد في هذا المجتمع . يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله : (إن القسط هو العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض ، فحيثما وُجدَ العدل في مكان ما ، فثمة شرع الله ودينه ). وهذا - طبعًا - مع وجود أصل الإيمان .
* فأساس التربية الإسلامية عندنا توحيد الله سبحانه وتعالى ، ويتفرع عنه أمور عدة منها :
وحدة الخالق (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ، فسبحان الله رب العرش عما يصفون ) . الآية : 22 - سورة الأنبياء .
كمال الخلق ( وخَلقَ كل شيءٍ فقدرهُ تقديرًا ..) الآية : 2 - سورة الفرقان .
تسخير الكائنات للإنسان ( ألم تروا أن الله سخَّر لكم ما في السماوات وما في الأرض ، وأسبع عليكم نعمه ظاهرةً وباطنة ..) الآية : 20 - سورة لقمان .
البحث والدراسة : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً ، فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) . الآية : 15 - سورة الملك .
* والمشي في مناكبها أحد مستلزمات التسخير ، إذ من مقتضيات التسخير التفكر والتدبر والتأمل في خلق الله لاستثماره على الوجه الأتم في عمارة الأرض ، ونشر راية التوحيد على الأرض ، والقيام بالشهادة على الخلق فيهخا .
* وأشير هنا إلى أن من أولى أوليات المربين المسلمين أن يقيموا معنى التوحيد والعدل في نفوس الناشئة ، وأن ينافحوا عن العدل ويقيموه في أنفسهم ليخرجوا أمتهم مما وقعت فيه من تخلف وضياع .
البعد الأخلاقي :
وهو الإلتزام بقيم وسلوكيات محددة أمر بها القرآن الكريم واختصرها في قوله : (إنما بُعثْتُ لأتممَ مكارم الأخلاق ) ، الحديث : لقد راجعت معنى كلمة (مكارم) - في لسان العرب لابن منظور ، فوجدتها جمع مكرمة وهي فعل الكرم - وللحديث رواية أُخرى عند الإمام أحمد عن أبي هريرة (إنما بُعثتُ لأتمم صالح الأخلاق ) ومكارم الأخلاق هي التطبيق العملي للبعد الول ألا وهو البعد العقائدي ، لقد استطاع ثلاثة من تجار المسلمين أن يدفعوا بدولة أندونيسيا قُدمًا إلى الدخول في الإسلام وتوحيد الله سبحانه وتعالى ، لا بالقوة أو السيف ولكن بالأخلاق الكريمة وصالح الأعمال .
ولذا ينبغي أن نربي الناشئة على مكارم الأخلاق ، وعلى الصدق في القول والعمل ، وعلى أن الغاية لا تبرر الوسيلة ، حتى يتجنبوا الأخلاق الذميمة التي سقط فيها كثير من أصحاب الأهواء والمصالح ، وقبل ذلك ينبغي أن يتمثل المُربي والمعلم هذه الأخلاق الفاضلة ويُلزم نفسه بها قبل تأديب الأطفال ودعوتهم للإلتزام بها ، والتربية كما تعلمون تكون بالمقال وبالمثال وبالحال . بالمقال وعظًا وكتابة وقراءة . وبالمثال بضرب الأمثال برجال التربية العِظام . وبالحال بالقدوة الحسنة . والتربية بالحال أقوى من التربية بالمقال وأقوى من التربية بالمثال كما تعلمون .
البعد الاجتماعي :
وأسميه بفن حركة الذات ، وفن المعاملة مع الأفراد .
بالنسبة للفرد ذاته : كيف يتحرك ؟ ، وماذا يقول ؟ ، كيف يشرب ؟ ، كيف يأكل ؟ ، كيف ينام ؟ ، كيف يستيقظ ؟ . ورسولنا )غطى - في هذا المجال - حياتنا تغطية كاملة بحيث لا تجد موضع بنان في حياة الإنسان إلا وللرسول (فيه مقال - ويكفي مراجعة الأحاديث المأثورة في آداب اليوم والليلة في كتب الأذكار لتجد فيها دليلاً قويًا على ما قلناه .
كذلك نجد في الكتاب والسنة جملة من الآداب والسلوكيات التي تحدد كيفية التعامل بين الأفراد في المجتمع ، سواء تعلق ذلك بالمناسبات الاجتماعية أو المعاملات الإقتصادية أو الشؤون السياسية ، أو القضايا الدولية .
البعد الإنساني :
البعد الإنساني عندنا بُعدْ أساسي ، لأن الإسلام دين عالمي يتوجه إلى الإنسانية جمعاء ، من غير تمييز بين أحمر وأصفر ولا أبيض وأسود ، إنما الناس كلهم عباد الله ، كلهم أبناء آدم وحواء ، لا فرق بينهم إلا بالتقوى ، ولذلك توجه الله - سبحانه وتعالى - بخطابه إلى النسا جميعًا في قوله تعالى : ( يا أيها الناس ، إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى ، وجعلناكم شعوبًا وقبائل ، لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم ) . الآية : 13 - الحجرات .
وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ بجلاء فقال : [ أنا سابق العرب ، وسلمان سابق الفرس ، وصهيب سابق الروم ، وبلال سابق الحبش ].
ودعا العرب إلى الوحدة وكره إليهم الفرقة والتنابز بالألقاب والتفاخر بالأنساب واعتبر سلمان الفارسي بمنزلة واحد من آل بيته حين قال : [ سلمان منا آل البيت ].
أما في غير الإسلام فالإنسانية تأخذ طابعًا قوميًا إقليميًا بالمواطنة فمن شملهم الوطن الواحد والدين الواحد اتسعت لهم مبادىء حقوق الإنسان والذين انتسبوا إلى وطن واحد ودين آخر فلا اعتبار للإنسانية في التعامل معهم .
البعد المعرفي :
سقط علم إبليس عندما تكبّر وتجبّر ونسي نفسه ، فلم ينتفع بعلمه ، في الوقت الذي اختار فيه مخلوقًا يحمل أمانة هذا العلم ، حيث قال سبحانه : ( وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة ..) ، الآية : 31 - سورة البقرة . فتحمل الإنسان بذلك أمانة العلم وتحمّل تبعات نشره وتولى ذلك الأنبياء والرسل ثم العلماء والدعاة من بعدهم . فما المقصود بالعلم هنا ، وما المعرفة المقصودة ؟ المعرفة المقصودة هناتبدأ بمعرفة الله سبحانه وتعالى وإن كان كل علم تقوم عليه الحياة ويحتاجه المسلمون يدخل ضمن المراد بالعلم هنا ، مع أن علم الشريعة أشرفها وعلى كل إنسان أن يعرف منه ما يقيم به حياته ، من صلاة وصيام وزكاة وحج وما شاكلها من أمور الحياة التي تتصل باختصاص الفرد وعمله والدائرة التي يتحرك فيها .
ومن هنا كان العلماء العاملون هم أكثر الناس خشية لله ، نلمس ذلك في قوله تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماءُ ) . الآية . حيث ربط سبحانه وتعالى خشيته بعلماء الطبيعة ، وعلم النبات ، وعلم حركة البحار ، وعلم الطبوغرافيا ، وعلم الإنسان ، وعلم الحيوان . ومن هنا فليس معلم الشريعة فقط - هو المطالب بتذكير التلاميذ بمعاني التوحيد من خلال المنهج الدراسي ، بل إن كل المعلمين معنيون بتبليغ هذه المعاني إلى التلاميذ ، كلٌ في إطار تخصصه . والحمد لله رب العالمين .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة