الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلامة الإخباري محمد بن إسحاق

العلامة الإخباري محمد بن إسحاق

العلامة الإخباري محمد بن إسحاق

اسمه ونسبه:

هو محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار أبو بكر، وقيل أبو عبد الله، القرشي المطلبي مولاهم المدني صاحب السيرة النبوية، كان جده يسار من سبي عين التمر.

مولده:

ولد ابن إسحاق سنة ثمانين ورأى أنس بن مالك بالمدينة وسعيد بن المسيب.

شيوخه:

روى عن أبيه وسعيد المقيري والأعرج وعمرو بن شعيب ومحمد بن إبراهيم التيمي وأبي جعفر الباقر ونافع مولى ابن عمر وفاطمة بنت المنذر بن الزبير والزهري وسعد بن إبراهيم وعبيد الله بن عبد الله بن عمر ومحمد بن المنكدر ويزيد بن أبي حبيب وابن طاووس وخلق كثير.


تلامذته والرواة عنه:

حدث عنه يزيد بن أبي حبيب شيخه ويحيى بن سعيد الأنصاري وشعبة والثوري والحمادان وأبو عوانه وهشيم وجرير بن حازم وجرير بن عبد الحميد وسفيان بن عبيد ويزيد بن هارون ويونس بن بكير ويحىى بن سعيد الأموي وأمم سواهم يشق استقصاؤهم ويبعد إحصاؤهم.


ثناء العلماء عليه:

قال المفضل الغلابي: سألت يحيى بن معين عن ابن إسحاق فقال: كان ثقة حسن الحديث.

قال علي بن المديني: مدار الحديث على ستة فذكرهم ثم قال: فصار علم الستة عند اثني عشر أحدهم محمد بن إسحاق، قال الزهري: لا يزال بالمدينة علم جسيم ما دام فيهم ابن إسحاق وقال: وقد سئل عن مغازيه: هذا أعلم الناس بها يعني ابن إسحاق.


قال الشافعي: من أراد أن يتجر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق.

وقال عاصم بن عمر بن قتادة: لا يزال في الناس علم ما عاش محمد بن إسحاق.

قال أبو معاوية: كان ابن إسحاق من أحفظ الناس فكان إذا كان عند الرجل خمسة أحاديث أو أكثر فاستُودعها عند ابن إسحاق قال: إحفظها عليّ فإن نسيتها كنت قد حفظتها على ما قال عبد الله بن فائد: كنا إذا جلسنا إلى محمد بن إسحاق فأخذ في فن من العلم قضى مجلسه في ذلك الفن.

وقال الميموني: حدثنا أبو عبد الله (يعني الإمام أحمد) بحديث استحسنه عن ابن إسحاق فقلت: يا أبا عبد الله ما أحسن هذا القصص التي يجيء بها ابن إسحاق فتبسم إلي متعجبا.

وقال شعبة: محمد بن إسحاق أمير المحدثين لحفظه.

قال علي بن المديني: نظرت في كتب ابن إسحاق فما وجدت عليه إلا في حديثين ويمكن أن يكونا صحيحين.
قال أبو زرعة الدمشقي: ابن إسحاق رجل قد اجتمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه.

قال ابن سعد: كان ثقة ومنهم من تكلم فيه.

قال ابن حبان: لما سئل ابن المبارك قال: إنا وجدناه صدوقا ثلاث مرات ثم قال ابن حبان ولم يكن أحدُّ بالمدينة يقارب ابن إسحاق في علمه ولا يوازيه في اطلاعه وهو من أحسن الناس سياقا للأخبار.

قال الخليلي: محمد بن إسحاق عالم كبير، واسع الرواية والعلم ثقة.

قال أبو حاتم: يكتب حديثه.

قال يزيد بن هارون: لو كان لي سلطان لأمّرت ابن إسحاق على المحدثين.

قال البخاري: رأيت علي بن عبد الله يحتج بحديث ابن إسحاق وذُكر عن سفيان أنه ما رأى أحدًا يتهمه.

قال الذهبي: العلامة الحافظ وقال: وهو أول من دَوَّنَ العلم بالمدينة وذلك قبل مالك وذويه وكان في العلم بحرًا عجاجا ولكنه ليس بالمجود كما ينبغي وقال أيضا: قد كان في المغازي علامة.

قال ابن حجر: إمام المغازي صدوق يدلس ما رمي بالتشيع والقدر.

من أحواله وأقواله:

قال ابن المديني: سمعت سفيان وسئل عن ابن إسحاق لِمَ لَمْ يرو أهل المدينة عنه؟ فقال: جالست ابن إسحاق منذ بضع وسبعين سنة وما يتهمه أحد من أهل المدينة ولا يقول فيه شيئا. فقلت له كان ابن إسحاق يجالس فاطمة بنت المنذر؟ فقال أخبرني أنها حدثته وأنه دخل عليها قال الذهبي (معقبًا) هو صادق، في ذلك بلا ريب.


قال يحيى بن سعيد: سمعت هشام بن عروة يقول حدث ابن إسحاق عن امرأتي فاطمة بنت المنذر والله إن رآها قط.

قال الذهبي معلقًا: هشام صادق في يمينه فما رآها ولا زعم الرجل أنه رآها بل ذكر أنها حدثته وقد سمعنا من عدة نسوة وما رأيتهن وكذلك روى عدة من التابعين عن عائشة وما رأوا لها صورة أبدًا.


قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن ابن إسحاق فقال: هو حسن الحديث، ثم قال: وقال مالك (وذكر ابن إسحاق): دجال من الدجاجلة.
قال البخاري: لو صح عن مالك تناوله من ابن إسحاق فلربما تكلم الإنسان فيرمي صاحبه بشيء واحد ولا يتهمه في الأمور كلها.

وقال إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح: نهاني مالك عن شيخين من قريش وقد أكثر عنهما في "الموطأ" وهما ممن يحتج بهما ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم نحو ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي وكلام الشعبي في عكرمة وفيمن كان قبلهم وتناول بعضهم في العرض والنفس ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة والكلام في هذا كثير.


قال الذهبي: لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر ولا من الكلام بنَفسٍ حادٍّ فيمن بينهم وبينه شحناء، وقد علم أن كثيرًا من كلام الأقران بعضهم في بعض مُهدر لا عبرة به ولا سيما إذا وثق الرجلَ جماعةٌ يلوح على قولهم الإنصاف وهذان الرجلان كل منهما قد نال من صاحبه لكن أثر كلام مالك في محمد بعض اللين ولم يؤثر كلام محمد فيه ولا ذرة وارتفع مالك وصار كالنجم، والآخر فله ارتفاع بحسبه ولا سيما في السير وأما في أحاديث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن إلا فيما شذ فيه فإنه يعد منكرًا.. هذا الذي عندي في حاله والله أعلم.


قال أبو زرعة الدمشقي: قد اختبره أهل الحديث فرأوه صدقا وخيرًا مع مدح ابن شهاب له وقد ذاكرت دحيمًا قول مالك فرأى أن ذلك ليس للحديث إنما هو لأنه اتهم بالقدر.

قال يعقوب بن شيبة (الفسوي): سألت عليا: كيف حديث ابن إسحاق عندك صحيح؟ فقال: نعم حديثه عندي صحيح قلت: فكلام مالك فيه؟ قال: مالك لم يجالسه ولم يعرفه وأي شيء حدث به ابن إسحاق بالمدينة: قلت: فهشام بن عروة قد تكلم فيه فقال علي: الذي قال هشام ليس بحجة لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها أن حديثه ليبين فيه الصدق.


قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يتبع حديث ابن إسحاق فيكتبه كثيرًا بالعلو والنزول ويخرجه في المسند وما رأيته أبقى حديثه قط وقيل له يحتج به؟ قال لم يكن يحتج به في السنن.


قال أبو سعيد بن يونس: قدم ابن إسحاق الإسكندرية سنة خمس عشرة ومئة وروى عن جماعة من أهل مصر منهم عبيد الله بن المغيرة ويزيد بن أبي حبيب وعبيد الله بن أبي جعفر والقاسم بن قرمان والسكن بن أبي كريمة روى عنهم أحاديث لم يروها عنهم غيره فيما علمت.


قال ابن سعد: كان ابن إسحاق أول من جمع مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج من المدينة قديمًا فلم يرو عنه أحد منهم غير إبراهيم بن سعد وكان مع العباس بن محمد بالجزيرة وأتى أبا جعفر بالحيرة فكتب له المغازي فسمع منه أهل الكوفة بذلك السبب، وسمع منه أهل الري فرواته من هؤلاء البلدان أكثر من روى عنه من أهل المدينة.


قال ابن عدي: ولو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شيء إلا الاشتغال بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ومبتدأ الخلق، لكانت هذه فضيلة سبق بها ثم من بعده صنفها قوم آخرون لم يبلغوا مبلغ ابن إسحاق منها، وقد فتشت أحاديثه كثيرًا فلم أجد من أحاديثه ما يتهيأ أن يُقطع عليه بالضعف وربما أخطأ أولهم في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره ولم يتخلف في الرواية عنه الثقاة والأئمة وهو لا بأس به.

قال الذهبي: روى له مسلم في المتابعات واستشهد به البخاري وأخرج أرباب السند له.


وفاته:

توفى ابن إسحاق سنة اثنتين وخمسين ومائة وقيل إحدى وخمسين وقيل ثلاث وخمسين وقيل خمسين والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــ
المراجع: سير أعلام النبلاء

تهذيب التهذيب تقريب التهذيب

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة