الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاحتجاج بالقدر

الاحتجاج بالقدر

الاحتجاج بالقدر

ثمة مفهوم خاطئ يردده كثير من الناس ،ممن انحرف عن الصراط المستقيم في اعتقاده وسلوكه ، إذ يجعلون من القدر حجة لهم على ضلالهم وانحرافهم ، فإذا أذنب أحدهم ذنباً ، أو ارتكب خطيئة ، قال إن الأمر مقدر علي ، ولا حيلة لي في دفعه . والعجيب أن هذا المنطق لا يحتج به أصحابه إلا عند فعل المعاصي والسيئات ، ما يدل على فساد نية وخبث طوية ، أما إن أُخِذ مال أحدهم لم يقل إنه فعل مقدر ، بل نجده يطالب وينافح بكل ما استطاع من قوة ، فدل ذلك على فساد هذا المنطق عند صاحبه قبل غيره .

وقد بسط العلماء القول في بطلان الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي والسيئات بوجوه كثيرة :
منها بيان التوافق وعدم التعارض بين شرع الله وقدره ، ذلك أن المحتجين بالقدر لم يفهموا العلاقة بين شرع الله وقدره ، وبيان هذه العلاقة - كما ذلك العلماء - أن الله خلق الخلق وجعل فيهم القدرة على الإيمان والكفر ، قال تعالى :{ إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } (الانسان: 3 ) قال ابن زيد - من علماء التفسير في تفسير هذه الآية - أي : " ننظر أي شيء يصنع ، أي الطريق يسلك ، وأيُّ الأمرين يأخذ ، قال : وهذا الاختبار " رواه الطبري في تفسيره .

فالإنسان وإن كان مكلفاً شرعاً ، إلا أن له حرية الاختيار كونا وقدراً ، وهذا الأمر واقع مشاهد ، فما من إنسان إلا وهو يشعر بهذه الحرية في الاختيار ، وبناء على هذه الحرية جاء التكليف الشرعي بوجوب الإيمان وحرمة الكفر ، فحين لا يؤمن الإنسان يكون هو الذي لا يريد الإيمان ، وحين يكفر يكون هو من أراد الكفر .

وأقرب مثال يدل على بطلان الاحتجاج بالقدر أن يقال : إن الله ربط الأسباب بمسبباتها ، فإذا أراد العبد النبات قام بزراعة الأرض وريها ، وإذا أراد الولد تزوج ، وهكذا إذا أراد الجنة آمن وعمل صالحاً ، ولو قال العبد أنا أريد الولد ولن أتزوج ، وإن كان كتب لي ولد فسيأتيني ، لعُدَّ من أجهل الجاهلين ، وكذلك إذا قال الإنسان: أريد الجنة ولن أعمل صالحاً ، فإن كتب الله لي الجنة فسأدخلها ، عد كذلك من الجاهلين .

ومما يدل على بطلان الاحتجاج بالقدر ، أنه لو كان الاحتجاج به صحيحاً لما كان هناك فائدة من بعثة الرسل وإنزال الكتب ، طالما أن كل إنسان مجبور على فعل ما يفعل ، ولكان للعباد حجة على ربهم ، حيث سيحتجون على الله جلا وعلا في عدم إجابتهم الرسل بقولهم : أمرتنا بالإيمان وأجبرتنا على الكفر ، فكيف تحاسبنا على ما أجبرتنا عليه ، والله يقول مبينا الحكمة من بعثة الرسل :{ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيماً } (النساء:165) . ففي الآية دلالة ظاهرة على بطلان الاحتجاج بالقدر .

ومن أوجه بطلان الاحتجاج بالقدر - إضافة لما تقدم - أنه لو كان الاحتجاج به صحيحاً لاحتج به أهل النار عندما سئلوا { ما سلككم في سقر } فأجابوا : { لم نك من المصلين ، ولم نك نطعم المسكين ، وكنا نخوض مع الخائضين ، وكنا نكذب بيوم الدين } ( المدثر : 42-46 ) فلو كان الاحتجاج بالقدر صحيحا ، لقال أهل النار أجبرنا الله على فعل الكفر ثم عاقبنا عليه .

هذه بعض أوجه الرد على تلك الحجة الداحضة ، والواجب على المسلم ألا ينساق وراء هذه الأعذار ، وأن يكون حاله عند سماع أمر الله ورسوله كمن وصفهم الله بقوله : { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } (النور:51) ، فكذلك كان حال الصحابة رضي الله عنهم إذا سمع أحدهم أمر الله ورسوله ،امتثل وأذعن .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة