الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أوضاع مسلمي بورما

أوضاع مسلمي بورما

أوضاع مسلمي بورما

كانت بورما منذ سيطرتها على أراكان المسلمة عام ( 1198هـ 1784م)، تُحاول القضاء على المسلمين، ولكنّها فقدت سلطتها بيد الاستعمار البريطاني (1239هـ 1824م). وبعد مرور أكثر من مائة سنة تحت سيطرة الاستعمار نالت بورما الحكم الذاتي عام (1356هـ 1938م). فأوّل أمر قامت به بورما هو قتل وتشريد المسلمين بشكل عام في جميع مناطق بورما حتى في العاصمة رانغون، حيث استشهد عدد كبير، واضطرّ أكثر من (500.000) خمسمائة ألف مسلم إلى مغادرة بورما.

وفي العام ( 1361هـ 1942م) قام البوذيون المشاغبون بمساعدة السلطة الداخلية بالقتل والدمار الشامل على المسلمين في جنوب أراكان، حيث استشهد حوالي مائة ألف مسلم، ومنذ أن حصلت بورما استقلالها من بريطانيا عام (1367هـ 1948م) كانت أوّل خُطّتها هي "برمنة " جميع الشعوب والأقليّات التي تعيش في بورما، وفعلاً نجحت في تطبيق خُطّتها في خلال عدّة سنوات، لكنّها فشلت تماماً في حقّ المسلمين لكونهم مستمدين مباشرة من المنبع الصافي للهداية الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلّم: "تـركتُ فيكم أمرين لن تضلّوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنّة رسوله". فلا يوجد أيّ واحد من المسلمين ارتدّ عن الإسلام واعتنق الديانة "البوذية " أو أيّ دين آخر.

فلمّا أحسّت بورما بهذه الحقيقة وشعرت جيداً غيّرت موقفها وخطّتها إلى القضاء على المسلمين واقتلاع جذور الإسلام عن أرض بورما، وذلك بقتل ونهب وتشريد ومسخ هويّتهم وطَمْس شعائرهم وتراثهم وتغيير معالمهم وثقافتهم ودسّ السموم في نفوسهم وما إلى ذلك من الأساليب والبرامج للظلم والعدوان.

ومنذ أن استولى الجيش على مقاليد الحكم ( 1398هـ 1978م) شرّدت بورما أكثر من (300.000) ثلاثمائة ألف مسلم إلى بنغلاديش. وفي عام (1402هـ - 1982م)، ألغت جنسية المسلمين بدعوى أنّهم متوطّنون في بورما بعد عام (1239هـ 1824م عام دخول الاستعمار البريطاني إلى بورما) رغم أنّ الواقع يُكذّب ذلك.

وفي عام (1411-1412هـ 1991-1992م) شرّدت بورما حوالي ثلاثمائة ألف (000،300) مسلم إلى بنغلاديش مرة أخرى.
وهكذا كان نُزوح المسلمين إلى بنغلاديش ومنها إلى بلاد أخرى مستمرّ كلّ يوم، لأنّ الحكومة خلقت جوّ الهجرة، فالوضع الذي يعيشه مسلمو أراكان مأساوي جدّاً، فهم محرومون من أبسط الحقوق الإنسانية، وهناك مئات الآلاف من الأطفال تمشي في ثياب بالية ووجوه شاحبة، وأقدام حافية، وعيون حائرة لما رأوا من مظالم واعتداءات البوذيين ،تثقل الأجواء بصرخات الثكالى والأرامل الّلائي يبكين بدماء العفّة، يُخْطف رجالهنّ ويُعلّقون على جذوع الأشجار بالمسامير حيث تُقْطع أُنوفهم ويُفْعل بهم الأفاعيل، وعشرات المساجد والمدارس تُمّرُ بأيدٍ نَجسةٍ مُدنّسة.

وفي الآونة الأخيرة تُكثّف برامج تحديد النسل فيما بين المسلمين، حيث أصدرت قرارات ينصّ على أنّ "المرأة المسلمة لا يُمكن زواجها إلا بعد أن تبلغ 25 سنة من عمرها، بينما لا يُسمح للرجل بالزواج إلا بعد مرور 30 سنة من عمره، ولا يُمكن الزواج إلا بعد الحصول على التصريح المكتوب من إدارة قوّات الأمن الحدودية " ناساكا " والذي لا يُعطي إلا إذا توافرت الشروط وهي :
تقديم الطلب مع الصّورة الفوتوغرافية لكلّ من العريس والعروس إلى " ناساكا" للفحص والتأكّد على عمرهما، وأنّهما هل راضيان ومـؤهلان للزواج أم لا؟ وعلى الرغم من الانتهاء من جميع هذه الإجراءات فإنّ " ناساكا " لا تسمح بالزواج إلا بعد تقديم الرشوة بمبلغ كبير يرضيها، والذي لا يَقْدر الجميع على تسديده، كما أنّها لا تسمح في سنة كاملة لأكثر من عشرين أسرة بالزواج في القرية التي تتكوّن من ألفي أسرة على أقلّ التقدير، فإذا خالف أحد هذا القرار المرير فعقوبته تفكيك الزواج والاعتقال لمدّة ستّة أشهر وغرامة (50.000) "كيات" بورمي.

ومنها: قرار يَهزّ مشاعر المسلمين وانطباعاتهم، ويُهدّد كيانهم ووجودهم؛ والذي لا يوجد له نظير في تاريخ الإنسانية، فهذا القرار الشنيع ينصّ على إحضار المرأة المسلمة الحامل إلى قاعدة إدارة قوّات الأمن الحدودية " ناساكا " لأخذ صورتها الملوّنة كاشفة بطنها بعد مرور كلّ شهر حتّى تضع حملها، وفي كلّ مرّة لا بدّ من دفع الرسوم بمبلغ كبير، وذلك للتأكّد ـ كما تقول السلطة ـ على سلامة الجنين، ولتسهيل إحصائية المولود بعد الولادة، ولكنّ لسان الواقع يُلحّ بأنّ الهدف من إصدار هذا القرار المرير هو الاستهتار بمشاعر المسلمين، وتأكيدهم على أنّه ليس لهم أيّ حقّ للعيش في أراكان بأمن وسلام.

وعلى الصّعيد السُكّاني فإنّ الحكومة ما زالت تقوم بإحداث تغيرات ملموسة في التركيبة الديموغرافية لمناطق المسلمين، فلا توجد أيّة قرية أو منطقة إلا وفيها منازل البوذيين المستوطنين، وتكون السلطة حتّى في القرية بأيدي البوذيين، ومنذ عام ( 1418هـ 1988م ) قامت الحكومة بإنشاء ما يُسمّى بالقرى النموذجيّة في شمال أراكان من بورما حتى يتسنّى تشجيع أُسر الريكهاين البوذيين على الاستقرار في هذه المناطق، ومن ناحية استيطان البوذيين الذين ينتقلون من أماكن مختلفة حتى من بنغلاديش إلى هذه القرى النموذجية، وتُمنح لهم الأراضي وبيوت جاهزة والتي شُيّدت بأيد المسلمين بغير أجر، فمصادرة الأراضي من المسلمين ومنحها إلى الريكهاين البوذيين بهذه الطريقة خلق توتّراً شديداً فيما بين المسلمين.

وفي ظلّ أجواء من عدم الاستقرار الأمني والديني والاجتماعي للمسلمين في بورما بيد السلطة البوذية العسكرية التي تتخذ وتّطبّق قرارات وخطوات شنيعة ومفجعة هدف إلى القضاء على مشاعر المسلمين وطَمْس شعائرهم ومسخ ثقافتهم وتراثهم، فإنّ السلطة تقدّمت على إصدار قرار يمسّ مشاعر المسلمين وهو : حظر تأسيس مسجد جديد، وعدم إصلاح وترميم المساجد القديمة، وتدمير المساجد التي تمّ بناؤها أو إصلاحها في خلال عشر سنوات المنصرمة في إقليم أراكان، وبموجب هذا القرار فإنّ السلطة هدمت إلى الآن أكثر من 72 مسجداً.

وجدير بالذكر أنّ في بورما يوجد أكثر من (2566) مسجداً، كما يوجد أكثر من (1095) مدرسة وجامعة إسلامية، ومنها في أراكان (1538) مسجداً، و(405) مدرسة وجامعة إسلامية، وقد قام المشاغبون البوذيون في مدينة أكياب بإحراق وتدمير قرى المسلمين، وقتل وتشريد سكّانها بطريق شامل حيث راح ضحيّتها حوالي خمسمائة شهيد وأكثر من ألفي جريح.

وكذلك قام المشاغبون البوذيون بشنّ الهجوم على المسلمين في مدينة تونجو على مقربة من عاصمة رانغون، بإثارة وتعاون السلطة العسكرية، ممّا أدّى إلى استشهاد عشرات من المسلمين، ودمّرت أربعة مساجد.
وفي الآونة الأخيرة أصدرت السلطة قراراً بأنّ العاملين والموظفين في الحكومة لا يُسْمح لهم بإطلاق لحاهم وارتداء الزّي الإسلامي في الدوائر الرسمية وكلّ من لا يمتثل لهذا الأمر يُفْصل من الوظيفة، وفعلاً تمّ العمل بهذا القرار، وأُعفي المسلمون من الوظيفة لاقترافهم جريمة عدم الامتثال لأمر السلطة بحلق الّلحى وعدم ارتداء الزّي الإسلامي.

إنّ قضيّة مسلمي بورما تُشكّل محنة كبيرة، وهي كارثة إنسانية بكاملها، وجريمة عظيمة في حقّ المجتمع الدولي وضدّ القانون الدولي، وإنّ إبادة جنس بشري أو فئة معيّنة داخل بورما لا يُعتبر شأناً داخليّاً يخصّ بورما وحدها ؛ بل هو يستدعي اهتمام وعناية الجميع في العالم، لأنّه يتعلّق بحقوق الإنسان التي لحمايتها أعلنت هيئة الأمم المتحدة وثيقة دولية قبل نصف قرن من الزمان.

فهؤلاء المستضعفون في بورما من الرجال والنساء والولدان يَصْرخون ويستنصرون بالأمّة الإسلامية حكومات وشعوباً، الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلّم : "مثل المسلمين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى"، ويُناشدون المسلمين في العالم أن يقفوا بجانب مسلمي بورما، وأن يقوموا بأخذ الإجراءات الّلازمة لوقف العمليّات العُدوانية التي تمارسها بورما ضدّ مسلمي بورما. وأنْ يُمارسوا كافّة الأساليب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية لحماية مسلمي بورما من بطش السلطة العسكرية البوذية.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة