الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكمة السابقين

حكمة السابقين

حكمة السابقين

إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أكرمنا بنعمة العقل ومتّعنا بالحواس التي يطل من خلالها العقل على العالم ، كما متعنا بالقدرة على التعبير عما يعتمل في عقولنا ونفوسنا ، لكن من الملاحظ أن العقل على الرغم من إمكاناته الجبارة والمذهلة يظل محدوداً في قدرته على التعامل مع المعطيات الناجزة .

كما أن الحواس الخمس التي نتلمس من خلالها الوجود لا تعمل إلا وفق شروط محددة ، فهي أيضاً محدودة ، والنظام اللغوي الذي نعبر من خلاله ونظام التأويل والفهم والتفسير الذي نعقل من خلاله ما نسمع هو الآخر مصاب بالقصور الذاتي والارتباك الشديد ، هذا كله يفضي إلى شيء واحد هو (شخصانية ) رؤيتنا للحياة والأحياء ، وهذا ما نلمسه في الأقوال المأثورة الواردة عن أهل الأزمان الغابرة من عرب وعجم ومسلمين وغير مسلمين.

إن الناس يحبون بلورة ما عقلوه من الحياة ويحبون التأكد من وعيهم به على نحو جيد ، ولم يجدوا لتحقيق تلك الرغبة خيراً من المقولات القصيرة القاطعة والبليغة ، وقد فعلوا ذلك بشجاعة وجرأة ، وأفاضوا فيه وأطالوا ما وسعهم التطويل ، وقد أحسنوا في ذلك إلى من جاء بعدهم وساعدوهم فعلاً على فهم الحياة ، فحوادث الوجود وأوضاعه معقدة ومتداخلة وغامضة وفرسان الحكمة يعيدون تنظيمها ويكشفون غامضها ، ليقدموها لنا على طبق من فضة .

لكن لدى السابقين مشكلة ، ولدينا مثلها ، مشكلة السابقين ـ أو أكثرهم ـ تتمثل في الظن أنهم رأوا الحقيقة كاملة ، وأنهم ملكوا كامل الخبرة حول ما يتحدثون عنه ، وهذا يعود إلى عدم معرفة معظمهم بطبيعة عمل العقل وطبيعة إدراكه للأشياء ، حيث إن من الواضح لنا اليوم أننا لا نعبّر في الحقيقة عن جوهر ما جرى ويجري ، وإنما نعبر عن الصور الذهنية التي التقطناها لذلك ، وهي صور محدودة بمحدودية الزاوية التي ننظر منها ومحدودة بمحدودية التعريفات والمصطلحات والمفاهيم التي تستخدمها عقولنا في إدراك الوجود وتفسيره .

وإذا أردنا معرفة وهمِ السابقين في شمولية إدراكهم لما يتحدثون عنه ، فلننظر إلى مقولاتهم في شيء محدد عبروا عنه ، وليكن ذلك ( المرأة) على سبيل المثال ، حيث تجد من جعلها خير معين للرجل على أمر دينه ودنياه بشرط أن تكون صالحة ، كما هو الشأن في بعض الآثار والأقوال ، ومنهم من جعلها أعظم هدية تكرم الله بها على البشرية ، وهناك من جعلها أشبه بالمرض كما ذكر ( أبقراط ) ومن جعلها أقرب المخلوقات إلى الكمال ، فهي مخلوق بين البشر والملائكة كما يرى ( بلزاك) ومنهم من انطلق من حس تكاملي حين ذكر أن المرأة هي قلب الإنسانية وضميرها ، على حين أن الرجل هو رأسها وعقلها المدبّر ... أقوال كثيرة جداً كثيراً ما تعبر عن تجربة شخصية خاصة ومحدودة، لكن أصحابها كثيراً ما يجهلون ذلك .

المشكلة الأكبر في تلقينا لتلك الأقوال حيث إننا نستشهد بها ونوظفها في أحاديثنا على أنها دقيقة وتعبر عن خبرة الإنسانية جمعاء .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة