الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وللملائكة أسماء (2)

وللملائكة أسماء (2)

وللملائكة أسماء (2)

في موضوع سابق - ومن خلال نصوص الكتاب والسنّة - تمّ بيان الأسماء الإجماليّة للملائكة الكرام، وذكرنا أن المقصود بها: الأسماء التي تلحق الملائكة على وجه العموم، أو تُطلق على جماعاتٍ منهم.

وعلى المنهج نفسه: جاء دور بيان أسماء الملائكة التفصيليّة، وهي الأسماء التي تمّ النصّ عليها لملائكةٍ بأعيانهم، فامتازوا بها عن غيرهم، وهي كالتالي:

أولاً: جبريل عليه السلام: ولا شكّ أنّه أعظم الأنبياء وقائدهم، كيف لا؟ وقد كان الأمين على الوحي، والسفير الخاص إلى الأنبياء والرسل، وله من الاختصاصات ما لم ليست لغيره من الملائكة.

فهو الذي رافق النبي –صلى الله عليه وسلم- في رحلته وعروجه إلى سدرة المنتهى، مما يدلّ على مكانته العالية التي سبق بها غيره من الملائكة، فقد روى البخاري في صحيحه عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حدّثهم عن ليلة أسري به، فكان مما قال: (..ثم رُفعت إلي سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قِلال هَجَر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال جبريل: هذه سدرة المنتهى)، والنبق هو ثمرة السدر، والقُلّة: الجرّة الكبيرة، وهَجَر: قرية كانت قرب المدينة.

وقد ذُكر جبريل عليه السلام في الكتاب المبين، قال تعالى: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين*من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} (البقرة:97-98)، وقال سبحانه: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} (التحريم: 4)، وأما في السنّة فالأحاديث مشحونةٌ بذكره وذكر أعماله ومواقفه مع الأنبياء والمرسلين.

واسم جبريل أعجمي وليس عربي على الصحيح، ولاسمه عدّة ألفاظٍ صحّت كلّها، أربعةٌ منها جاءت في القراءات المتواترة، وهي: جِبريل، وجَبريل، وجَبرئل، وجَبْرئيل، وواحدةٌ وردت في السنّة، وهي لفظة: جَبْرائيل، فعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام من الليل افتتح صلاته فقال: (اللهم رب جَبْرَائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض..) الحديث، رواه مسلم.

وجاءت تسمية جبريل عليه السلام بغير ذلك في مواضع من القرآن الكريم، فمرّةً باسم الروح –مطلقاً دون وصفٍ آخر-، قال الله تعالى: { يوم يقوم الروح والملائكة صفا} (عم:38)، ومرّةً أخرى بالروح الأمين، وهي في قوله تعالى: {نزل به الروح الأمين*على قلبك لتكون من المنذرين} (الشعراء:193-194)، وثالثةً مضافةً إلى القُدُس، وهي في قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين} (النحل:102)، والقدس هو الله جلّ جلاله، أضاف جبريل إلى نفسه تكريماً وتخصيصاً، وقد ورد هذا الاستعمال في حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لحسان: (إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله) رواه مسلم.

ثانياً: ميكائيل عليه السلام: وهو الملك الموكّل بالقطْر ونزول الأمطار، وقد ورد اسمه في كتاب الله في قوله تعالى: قال تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} (البقرة:98)، والقراءات الواردة في حقّه ثلاثة: مِيكال، ومِيكائل، وميكائيل، كما ذكر ذلك أهل التفسير.

وقد رآه النبي –صلى الله عليه وسلم- في منامه، صحّ بذلك الخبر عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (رأيت الليلة رجلين أتياني، قالا: الذي يُوقد النار مالكٌ خازن النار، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل) رواه البخاري.

ثالثاً: إسرافيل عليه السلام: وهو الملك صاحب المهمّة الأخرويّة، والمؤذنة بانتهاء الحياة الدنيا، وسوق الناس للجزاء والحساب، وهي مهمّة النفخ في الصور، جاء ذكره في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلنا: السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على إسرافيل، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى هو السلام...) الحديث بتمامه في الدارمي، فضلاً عن أحاديث أخرى تمّ ذكر اسمه فيها صراحةً.

ولإسرافيل عليه السلام اسمٌ آخر، وهو: "صاحب القرن" والمقصود به الصور الذي سينفخ فيه يوم القيامة، جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( كيف أنعمُ؟ وقد التقم صاحب القرنِ القرنَ، وحنى جبهته، وأصغى سمعه، ينظر متى يؤمر؟) رواه أحمد.

رابعاً: مالك عليه السلام: وهو خازن جهنم، ورد اسمه في قول الله تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} (الزخرف:77)، وفي حديث سمرة بن الجندب رضي الله عنه، والذي مرّ معنا آنفاً، وفيه: (..والذي يوقد النار، مالكٌ خازن النار).

خامساً: المنكر والنكير: وهما الملكان الكريما اللذان يتولّيان سؤال العبد في قبره الأسئلة الشهيرة الثلاثة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا قُبر الميت، أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير..) رواه الترمذي وقال: " حسن غريب".

سادساً: ملك الموت: وهو الملك الذي أوكلت له مهمّة قبض الأرواح، وقد جاء في نصوص الوحي من القرآن الكريم والسنة تسميته عليه السلام: بملك الموت، قال الله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إِلى ربكم ترجعون} (السجدة:11).

سادساً: هاروت وماروت: وهما ملكان ورد اسمهما في سورة البقرة، قال الله تعالى: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} (البقرة:102)، وذلك على رأي من جعلهما اسماً لهذين الملكين، والخلاف في ذلك مبسوط في كتب التفسير.

سابعاً: الرعد: وهو اسم ملكٍ من الملائكة الذي يأتمرون بأمر ميكائيل عليه السلام، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أقبلت يهودُ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فقالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (ملك من ملائكة الله عز وجل، موكلٌ بالسحاب..) رواه أحمد.

ويجدر التنبيه هنا إلى أننا عندما نقول: "ثمّة ملكٌ اسمه الرعد" فإننا لا نعني به تلك الظاهرة الطبيعيّة التي تحدث بسبب الزيادة اللحظيّة في الضغط ودرجات الحرارة في وسط الهواء المحيط بالسحاب، فهذا الاشتراك في الاسم لا يعني الاتحاد في المسمّى، إنما هو ملكٌ كريم ثبتت النصوص المُخبرة عن اسمه، ومثل هذه الأمور لا تؤخذ بالاستنتاج أو الاجتهاد وإنما محلّها ثبوت النص.

ولم نذكر هنا اسم رضوان خازن الجنّة، ولا عزرائيل ملك الموت، لأنها لم تثبت بأدلّة صحيحة فيها النصّ على هذين الاسمين، فهما وإن اشتُهرا على الألسنة إلا أنهما لم يثبتا.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة