الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وهبة الزحيلي.. في ذمة الله

وهبة الزحيلي.. في ذمة الله

وهبة الزحيلي.. في ذمة الله

مصيبة جديدة وخسارة فادحة أصابت العالم الإسلامي، وملمة عظيمة ألمت بأهل السنة في سوريا والعالم عندما غيب الموت أمس السبت الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، أحد أبرز علماء السنة في سوريا بل والعالم الإسلامي في العصر الحديث.. ففقد المسلمون بموته أستاذًا كبيرًا، وعالما موسوعيا، ومربيا قديرًا، وشيخا ذا باع في الفقه والقانون والأصول والتفسير وغيرها من العلوم، كان مثالا حيا للأخلاق الكريمة، والزهد، وحب الخير للغير.

مولده ونشأته
ولد وهبة الزحيلي عام 1932م في مدينة "ديرعطية" من مدن "ريف دمشق"، وكان والده يعمل بالتجارة والزراعة، حافظاً للقرآن الكريم، محباً للسنة النبوية.
وقد درس الشيخ المرحلة الابتدائية في بلدته، ثم المرحلة الثانوية في الكلية الشرعية في دمشق مدة ست سنوات، وحصل على الثانوية العامة الفرع الأدبي عام 1952، وكان ترتيبه الأول على جميع حملة الثانوية الشرعية ذاك العام.

تحصيله العلمي وشهاداته
تابع تحصيله العلمي في كلية الشريعة بالأزهر الشريف، فحصل على الشهادة العالية وكان ترتيبه فيها الأول عام 1956، ثم حصل على إجازة تخصص التدريس من كلية اللغة العربية بالأزهر، وصارت شهادته العالمية مع إجازة التدريس. درس أثناء ذلك علوم الحقوق، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس بتقدير جيد عام 1957، نال دبلوم معهد الشريعة الماجستير عام 1959 من كلية الحقوق بجامعة القاهرة.
حصل على شهادة الدكتوراة في الحقوق (الشريعة الإسلامية) عام 1963 بمرتبة الشرف الأولى مع توصية بتبادل الرسالة مع الجامعات الأجنبية، وموضوع الأطروحة "آثار الحرب في الفقه الإسلامي ـ دراسة مقارنة بين المذاهب الثمانية والقانون الدولي العام".

شيوخه
تلقى العلم على يد كثير من المشايخ المعروفين في وقتهم في سوريا ومصر؛ حيث كان يدرس بها دراسته الجامعية والدراسات العليا
فمن شيوخه في دمشق: محمود ياسين ومحمود الرنكوسي وحسن الشطي وهاشم الخطيب والفيومي وأحمد السماق وحمدي جويجاتي وحسن حبنكة الميداني وأخوه صادق في التفسير، وأبو الحسن القصاب في النحو والصرف، وصالح الفرفور في علوم اللغة العربية كالبلاغة والأدب العربي. وغيرهم.

ومن شيوخه في مصر: شيخ الأزهر محمود شلتوت والشيخ عبد الرحمن تاج وعيسى منّون في الفقه المقارن عميد كلية الشريعة وجاد الرب رمضان في الفقه الشافعي.. ومن مشايخة الكبار أيضا محمد أبو زهرة والشيخ علي الخفيف ومحمد البنا ومحمد الزفزاف ومحمد سلام مدكور وفرج السنهوري.

تلاميذه
أما تلاميذ الشيخ فأعداد كبيرة لا تحصى منهم من استفاد من علمه في دروسه العامة والخاصة، ومنهم من درس عليه في الجامعة، ومنهم من نهل من علمه الذي سطره في كتبه الكثيرة والمتنوعة.

جهوده
عين مدرساً بجامعة دمشق عام 1963، ثم أستاذاً مساعداً سنة 1969، ثم أستاذاً عام 1975.. واشتغل بالتدريس والتأليف والتوجيه وإلقاء المحاضرات العامة والخاصة، وقد اشتهر بالتخصص الدقيق في الفقه وأصول الفقه، وكان يدرّسهما مع الفقه المقارن في كلية الشريعة ومواد الشريعة في كلية الحقوق بجامعة دمشق والدراسات العليا فيهما.

أعير إلى كلية الشريعة والقانون بجامعة محمد بن علي السنوسي بمدينة البيضاء في ليبيا لمدة سنتين، ثم كلّف بعدئذ بمحاضرات فيها في الدراسات العليا.

أعير إلى كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات لمدة خمس سنوات من 1984 ـ 1989.
أعير بصفة أستاذ زائر إلى جامعة الخرطوم، قسم الشريعة، وإلى أم درمان الإسلامية لإلقاء محاضرات في الفقه وأصول الفقه على طلاب الدراسات العليا.
وقد سافر إلى بلاد إسلامية عديدة لإلقاء المحاضرات والدروس في رمضان وغيره منها قطر والكويت وغيرها.

يدرّس كتابه "الفقه الإسلامي وأدلته" كمرجع أساسي في كثير من الجامعات لطلبة الدراسات العليا كالباكستان والسودان وغيرهما.
كما يدرّس كتابه "أصول الفقه الإسلامي" في الجامعات الإسلامية بالمدينة المنورة وفي الرياض، قسم القضاء الشرعي، سابقاً.

أشرف على كثير من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعة دمشق وكلية الإمام الأوزاعي في لبنان، وناقش بعض الرسائل الأخرى، كما أشرف على رسائل دكتوراه وناقشها في دمشق وبيروت والخرطوم، وهي تزيد عن سبعين رسالة.

المناصب العلمية
قدم الفقيد خدمات كبيرة وجليلة للفقه الإسلامي في العصر الحديث، في التدريس و في إبداء الرأي والاجتهاد في القضايا المعاصرة من موقعه كخبير، ونال العضوية في مجامع فقهية وعلمية كثيرة، منها مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمجمع الفقهي في مكة المكرمة، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن (مؤسسة آل البيت)، ومجمع الفقه الإسلامي في الهند وأميركا، وعضوية مجلس الإفتاء الأعلى في سورية.

كما كان عضوا بلجنة البحوث والشؤون الإسلامية، وهيئة تحرير مجلة نهج الإسلام بوزارة الأوقاف السورية، وعضو موسوعة فقه المعاملات في مجمع الفقه الإسلامي في جدة.

ترأس هيئة الرقابة الشرعية لشركة المضاربة والمقاصة الإسلامية في البحرين، وترأس نفس الهيئة للبنك الإسلامي الدولي في المؤسسة العربية المصرفية في البحرين ولندن، كما ترأس لجنة الدراسات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية.

خدم الفقه وأصوله أيضا من خلال بحوثه ودراساته، وإشرافه على مئات رسائل الماجستير والدكتوراه، وتأليفه لعشرات الكتب، ومساهماته العلمية في مؤتمرات وندوات ودورات دولية، ومشاركاته في برامج تلفزيونية وإذاعية.

مؤلفاته
رحل الشيخ وهبة الزحيلي عن الدنيا ولم ينقطع عمله، فقد ترك وراءه علما جما، وتراثا نافعا، ومشاريع دعوية، ومؤلفات كثيرة جدا ينتفع بها ويؤجر عليها بعد موته. فقد كان الشيخ من المكثرين في التأليف وقد أثرى المكتبة الإسلامية بموسوعتين كبيرتين "موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر" (8 مجلدات)، و"موسوعة الفقه الإسلامي و القضايا المعاصرة" (14 مجلدا)، وعشرات الكتب في مختلف العلوم الشرعية، فمن تلك المؤلفات:
"آثار الحرب في الفقه الإسلامي، مقارنة بين المذاهب الثمانية والقانون الدولي". و"السلم والحرب في الإسلام" تم إصداره باللغة الفرنسية، "الفقه الإسلامي وأدلته"(11مجلدا)، ترجم إلى التركية والماليزية والفارسية. و"الوجيز في الفقه الإسلامي"، و"نظرية الضرورة الشرعية، دراسة مقارنة"، و "القرآن الكريم.. بنيته التشريعية و خصائصه الحضارية" مترجم للتركية، و"الموسوعة القرآنية الميسرة"، والتفسير الوجيز" و"التفسير الوسيط" (3 مجلدات). و"الاستنساخ جدل العلم والدين والأخلاق"، و"تقديم وتحقيق شرح مسلم للنووي"، و"العلاقات الدولية في الإسلام"، و"العالم الإسلامي في مواجهة التحديات الغربية"، و"حق الحرية في العالم"، و"الأسرة المسلمة في العالم المعاصر"... وعشرات المؤلفات الأخرى التي يطول المقال بذكرها والتي شملت مجالات العلوم الإسلامية المختلفة.

الجوائز والأوسمة
نال الشيخ وهبة الزحيلي رحمه الله تعالى عددا من الجوائز منها:
. جائزة أفضل شخصية إسلامية في حفل استقبال السنة الهجرية الذي أقامته الحكومة الماليزية سنة 2008 في مدينة بوتراجايا.

. وصنف عام 2014 من ضمن 500 شخصية مؤثرة في العالم.

. حاز كتابه "التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج"( 16 جزء) على جائزة أفضل كتاب في العالم الإسلامي للعام 1995.

وفاته:
وفي مساء السبت 8 أغسطس/آب 2015 ، وفي مدينة دمشق عادت روحه الطاهرة إلى باريها، بعد عمر قارب الـ 83 عاما، قضاها في العلم والعمل والتأليف.. فرحمه الله رحمة واسعة.

قالوا عن الفقيد:
قال الشيخ يوسف القرضاوي ناعيا الزحيلي: رحم الله أخانا وهبة الزحيلي، رجل الفقه واﻷصول والتفسير، وتقبله في الصالحين، ورزق أهله ومحبيه الصبرواﻷجر، وخلفنا فيه خير.

وقال الدكتور كريم راجح شيخ قراء الشام:
فوجئت بالخبر الأليم فخلته ... حلما وقمت أكذب الأحلاما
وقال عنه: عالم قانع زاهد يقول كلمة الحق، ولا يداري، ولا يماري، ولا ينافق.. عزيز النفس، يأبى وهو يحمل شعار الإسلام أن يداجي لحاكم أو غني، وكان يرى أن رتبة العالم الرباني تفوق كل الرتب.

وقال الشيخ الدكتور عائض القرني: عرفته في لقاءات ومؤتمرات فكان عالماً محققاً وقوراً يحب الخير للمسلمين ولا يؤذي أحداً.

وقال الدكتور سلمان العودة: عرفته كاتباً، ثم جالسته وشاركته في برامج عدة، كان موسوعياً هادئ الطبع غيوراً على أمته.. اللهم ارفع منزلته في الجنة.

غفر الله للشيخ ورحمه ، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن الإسلام وأهله خير الجزاء.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة