الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كتاب المنهج في تدبر القرآن الكريم

كتاب المنهج في تدبر القرآن الكريم

كتاب المنهج في تدبر القرآن الكريم

من الكتب المعاصرة التي حَفَلت بها المكتبة القرآنية كتاب بعنوان (منهج تدبر القرآن الكريم) لمؤلفه حكمت بن بشير ياسين. وهو كتاب يعالج في الأساس قضية تدبر القرآن الكريم، والوسائل المساعدة على ذلك؛ إذ تدبر القرآن الكريم هو السبيل الأقوم للعمل بما فيه، والعمل بما فيه هو السبيل الأرشد لتحصيل خيري الدنيا والآخرة.

يشير المؤلف في مقدمة كتابه إلى أن الأمة الإسلامية إنما وصلت إلى ما وصلت إليه في سابق عهدها، وماضي مجدها إنما كان عن طريق تدبر القرآن الكريم؛ وما دام تدبر القرآن هو السبيل للخروج بالأمة الإسلامية مما هي فيه اليوم من تأخر وتقهقر وتشرذم، يطرح المؤلف على قارئه السؤال التالي: كيف السبيل إلى التدبر؟

يؤكد المؤلف في فاتحة كتابه إلى أن تدبر القرآن الكريم من الأمور الأساسية ذات الأولوية في حياتنا اليومية؛ إذ هو حوار عظيم فريد، ليس له مثيل، فهو بين الخالق سبحانه وعباده من الثقلين، والواسطة في هذا الحوار هو القرآن العظيم.

موضوعات الكتاب

تناول المؤلف موضوع كتابه من خلال جملة من العناوين الفرعية، بلغت نحو سبع وعشرين عنواناً، جاءت وفق التالي:

- القراءة الصحيحة للقرآن هي المدخل الأمثل للتدبر: الفكرة الرئيسة التي عالجها المؤلف تحت هذا العنوان هي بيان أن السبيل الأرشد لتدبر القرآن إنما هو القراءة الصحيحة؛ إذ القراءة الصحيحة لألفاظ القرآن تمهد السبيل لتدبر القرآن وتفهم معانيه، وبغير القراءة الصحيحة للقرآن لا يمكن تدبر القرآن الكريم ولا تفهمه، والقراءة الصحيحة سبيلها التلقي من أفواه القراء المتقنين.

- الترجيع: بين المؤلف من خلال هذا العنوان، أن ترديد آيات القرآن وتكرارها من الأمور المساعدة على التدبر، واستدل لذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل السلف رضوان الله عليهم.

- التدبر لمقاصد القرآن: يرشد المؤلف قارئ القرآن، أن عليه إذا مرَّ بآية رحمة أن يستبشر، ويسأل الله من رحمته وفضله، وإذا مرَّ بآية عذاب أن يشفق ويتعوذ، وكذلك إذا مرَّ بآية تنزيه لله سبحانه يسبح الله، وإذا مر بآية دعاء يدعو الله، ونحو ذلك من الأذكار، كل هذا إذا فعله التالي لكتاب الله يكون له عوناً على تدبر القرآن الكريم.

- تدبر الجن: بيَّن المؤلف هنا أن الجن استمعوا القرآن، وأنصتوا له، وأخبروا قومهم بما سمعوا، وهو خطاب للإنس أيضاً يدعوهم للاستماع للقرآن بقلوب يقظة، والإنصات إليه بآذان صاغية.

- كيفية التفكر في خلق الله: وهذا يكون بالتأمل فيما خلق السماوات والأرض وما أودع فيهما من لطائف وعجائب صنعه.

- تدبر النبي صلى الله عليه وسلم بالتسبيح: والتسبيح من أحب الكلام إلى الله.

- التدبر بالشكر: بين المؤلف هنا أن على العبد أن يشكر نعم الله التي أنعمها عليه، وهي نعم لا تعد ولا تحصى، وشكر النعم معوان على تدبر كتاب الله، والعمل بما فيه.

- كيف يتم القبول عند الله: يجيب المؤلف على هذا السؤال بقوله: إنما يتقبل الله الأعمال من عباده إذا اجتمعت فيها خمسة أمور: التوحيد، والاستقامة، والشكر، والعمل الصالح، والتوبة.

- التدرج بالتلاوة لتحقيق التدبر: يرشد المؤلف قارئه إلى التدرج في أخذ القرآن قراءة وحفظاً من أجل العمل، فهذا المسلك يساعد على التدبر أكثر من أخذ القرآن جملة واحدة؛ والدليل الأبرز هنا أن القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراحل متباينة ومتباعدة، ولم ينزل عليه جملة واحدة.

- الفهم والتدبر هو الغاية من التلاوة: فالعبرة في قراءة القرآن الكريم بالكيف لا بالكم، وإذا اجتمع الأمران فنور على نور. والاهتمام بالكيف هنا المراد منه الاجتهاد عند قراءة القرآن بيقظة العقل، وعدم شرود الذهن، والصبر على ذلك، والتذكر بعظم ثواب القراءة والتدبر؛ فإن يقظة العقل وحضوره مع النية الصادقة فيها ثمرات عظيمة.

- التدبر بفهم معاني القرآن: من أهم أساليب التدبر فهم معاني كلام الله، حتى يجيد القارئ لكتاب الله الاستجابة لله، وحتى يضمن زيادة الإيمان.

- التدبر ببيان القرآن بالقرآن: فالقرآن يفسر بعضه بعضاً، وهو أمر يساعد على التدبر.

- التدبر بأذكار القرآن: الإكثار من ذكر الله؛ لأن الذاكر قريب من الله، {فاذكروني أذكركم} (البقرة:152) والتدبر في الذكر مطلوب، كما هو مطلوب في القراءة؛ لاشتراكهما في المعنى المقصود.

- كيف يتم التدبر والتأثر بالقرآن؟ يبين المؤلف تحت هذا العنوان أن تدبر كتاب الله والتأثر به لا يكون إلا بحضور القلب، وإصغاء السمع...سهو القلب وغفلته وغيبته عن تعقل ما يقرأ، يمنع حصول التأثر بالقرآن، فالمؤثر هو القرآن، والمحل القابل للتأثر هو القلب الحي، وشرط حصول التأثير هو الإصغاء، وانتفاء المانع وهو انشغال القلب، وذهوله عن كلام الله. وإذا حصل التأثير في القلب، فإنه سيؤثر على بقية الأعضاء.

- البكاء من التأثر بسماع الكريم: وطريق تحصيل البكاء أن يحضر قلبه الحزن، بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق، والعهود، ثم يتأمل تقصيره في ذلك.

- لماذا عدم التأثر؟ يبين المؤلف أن ثمة أسباب كثيرة تمنع القارئ لكتاب الله من التأثر بما يقرأ، ويذكر من تلك الأسباب: قراءة القرآن هذًّا، عصيان أوامر القرآن، إهمال النواهي، ترك مواعظ القرآن.

- التدبر عند الآيات التي فيها استفهام: تدبر السؤلات الواردة في القرآن، والإجابة عنها بما يليق به سبحانه أمور تعين على تدبر كلام الله، كقوله تعالى: {أليس الله بكاف عبده} (الزمر:36) نقول: بلى، أو: بلى يا رب. هذه الإجابات عن السؤالات تجعل القارئ منتبها لمعاني الآيات ومقاصدها، فيبقى ذهنه متعلقاً بالقرآن، ويكون مستجيباً لله تعالى.

- النظر في المصحف يساعد على التأمل والتفكر: من الأمور المعينة على تدبر كلام الله القراءة المباشرة من المصحف؛ إذ إن العقل في حال القراءة بالنظر إلى المصحف تجعل القلب منصرفاً إلى فهم كتاب الله وتدبره وحسب، ولا تجعله منشغلاً بأمر الحفظ، ومن هنا قرار العلماء أن القراءة بالنظر في المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب.

- الامتثال للأوامر القولية: يلفت المؤلف هنا انتباه قارئه إلى أهمية الاهتمام بالآيات التي تبدأ بقوله سبحانه: {قل} أو {قولوا} أو {وقل} فكل الآيات التي فيها الأمر بلفظ {قل} ونظائره، ينبغي الامتثال لذلك الأمر، فمثلاً عندما يقرأ قوله تعالى: {وقل رب زدني علما} (طه:114) يدعو ربه بقوله: (رب زدني علماً) ومثل ذلك يفعل في مقول القول في الآيات التي تبدأ بالفعل {قل} وما شابهه.

- فوائد التدبر: تدبر القرآن الكريم له ثمرات عديدة وفوائد جليلة، فهو على الجملة مفتاح كل خير، ومحصل للعلوم والأسرار...والقراءة المتدبرة، والمتأملة والمتأثرة ترتقي بالمؤمن إلى مراتب عالية من العبادة...ومن فوائد التدبر حصول محبة الله للعبد، والقرب منه. وقد أتى المؤلف هنا على كلام لابن القيم من كتابه مدارج السالكين يبين من خلاله فوائد التدبر.

- ماذا نقول في سجود التلاوة: تضمن القرآن عدداً من الآيات التي تأمر بالسجود لله سبحانه، وتسمى آيات السجود، ويبين المؤلف هنا أن السجود لله وما يتضمنه من تسبيح وتحميد يرتقي بعبادة المؤمن إلى مصاف الخاشعين، ويعينه على تدبر كتاب الله تعالى.

- التدبر بالأمثال: الوقوف عند الأمثال القرآنية تدبراً، وتأملاً تعود على المسلم بالفوائد العظيمة؛ كالاعتبار، واليقظة، والزجر، والاتعاظ...

- بداية القراءة بالتدبر: الاستعاذة في بداية قراءة القرآن تُبعِدُ وساوس الشيطان، وتعين على التدبر. والبسملة أيضاً تعين على التدبر.

- تدبر أحكام القرآن: من أهم أهداف التدبر معرفة أحكام القرآن الكريم لبيان الحلال والحرام.

- الاستفادة من التأمين في آيات الدعاء.

هذا، وقد صاغ المؤلف مادة كتابه بلغة سهلة، وأسلوب واضح، خال من التعقيد، ما جعله كتاباً في متناول الجميع، وفيه من الفائدة غير قليل.

صدرت الطبعة الأولى من الكتاب سنة 1425هـ-2005م عن دار الحضارة للنشر بالرياض بالمملكة العربية السعودية، وبلغت صفحات الكتاب أربع ومائة صفحة من الحجم الكبير.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة