الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدين النصيحة

الدين النصيحة

الدين النصيحة

إن الله – تعالى- قد كتب علينا الذنب والخطيئة، وجبر ذلك بأن شرع لكم الإصلاح والنصيحة، فالحمد لله الذي جعل الأخ مرآة لأخيه، ينظر من خلالها إلى أخطائه ومساوئه، فيصلح من حاله، ويحسن من شأنه، فلا عجب بعد ذلك أن تشتمل النصيحة على جميع خصال الإسلام و الإيمان والإحسان. روى مسلم في صحيحه عن أبي رقية تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه- أن النبي قال: [الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم].

فهل شيء أدل على عِظم النصيحة بعد حصر الدين كله فيها؟ ثم إن النبي جعلها من الحقوق الواجبة بين المسلمين، وذلك في قوله: [وإذا استنصحك فانصح له]، وكان الصحابة - رضي الله عنهم- يبايعون رسول الله عليها، فعن جرير بن عبد الله البجلي قال: بايعت رسول الله على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.

ثم اعلموا – رحمكم الله – أن للنصيحة مفهوما واسعا، كما بين ذلك الصادق المصدوق.
فإن من النصيحة: النصح لله – تعالى- وذلك بتوحيده، وإخلاص الدين له، ووصفه بصفات الكمال ونعوت الجلال والجمال، وتسبيحه وتنزيهه عن كل ما لا يليق به، والقيام بطاعته ومحابه، والموالاة فيه والمعاداة فيه، و الحب فيه والبغض فيه.

وإن من النصيحة: النصح لكتاب الله – تعالى - وذلك بالإيمان به، بأنه كلام الله المنزل على قلب محمد غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، حفظه الله في الصدور والسطور، وبتلاوته حق التلاوة، والوقوف مع أوامره ونواهيه وتفهّم علومه وأمثاله، وتدبّر آياته، ودفع تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين عنه.

وإن من النصيحة: النصح لرسول الله وذلك بالإيمان به، وبما جاء به، وتوقيره وتبجيله والتمسك بسنته، وإحيائها بين الناس والتحاكم إليها، وبمعاداة من عاداه وآذاه في أهله وأصحابه وبالتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه.

وإن من النصيحة: النصح لأئمة المسلمين وذلك بمعاونتهم على الحق، وطاعتهم في المعروف، وجمع الشمل عليهم، وإسداء النصح لهم، و الدعاء لهم بالتوفيق والسداد، ومجانبة الوثوب عليهم.

وإن من النصيحة: النصح لعامة المسلمين، وذلك بإرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم، وستر عوراتهم، وسدّ خلاتهم، ونصرتهم على أعدائهم، والذب عن أعراضهم، ومجانبة الغش والحسد لهم.

وعجبا ثم عجبا لقوم تركوا هذا الركن الركين والأساس المتين، فراحوا يتفكهون بأخطاء إخوانهم، ويتمتعون بأعراض أقرانهم!!
أسَلِموا هم من العيوب والخطايا؟ أم تصحّف الحديث عندهم فصار: الدين النميمة والغيبة والفضيحة؟
ألم يعلموا أن من تتبّع عورات المسلمين تتبع الله عوراته، وفضحه ولو كان في جوف بيته؟

ألا فليتق الله من ابتلى بشيء من ذلك، وليتق الله في إخوانه، فإذا رأى من أخيه ما يكره فلينصح له في السر، وليخلص في النصيحة، فإنه لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه من الخير.

ثم عليك أيها الناصح أن تبدأ بنفسك، فتحملها على معالي الأمور.
فإنك إذ ما تأت ما أنت آمر .. .. به تُلف من إياه تأمر آتيا

واعلم أن الدين ثقيل متين، وأن الأمانة عظيمة كبيرة، أبت حملها السموات الواسعات، والأرضون الشاسعات، والجبال الشامخات الراسيات، وحملها الإنسان لظلمه العنيد، وجهله الشديد.

أيها الدعاة إلى الله، أيها الناصحون، أيها المرشدون، أيها المربون، لقد تولّيتم أمرا عظيما جللا، لا يجامع مللا، ولا يقبل منكم كسلا ولا كللا، ولا يغفر الناس لكم فيه زللا، فاستعينوا بالله على ما أمركم به وابتلاكم به.. أسأل الله لكم الإعانة والسداد.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة