الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عبادة الملائكة

عبادة الملائكة

عبادة الملائكة

الملائكة عباد مكرمون وهم بأمر الله يعملون، وقد بين الله تعالى مكانة الملائكة وعبوديتهم في أكثر من موضع، منها قوله تعالى: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)} ( الأنبياء:26-28 ) .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: الملائكة عباد الله مكرمون عنده، في منازل عالية ومقامات سامية، وهم له في غاية الطاعة قولا وفعلا.
وهم لا يتقدمون بين يديه سبحانه بأمر ، ولا يخالفونه فيما أمر به بل يبادرون إلى فعله ، { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) } ( الأنبياء:27 ) ، وهم لا يفعلون إلا ما يؤمرون به ، فالأمر يحركهم ، والأمر يوقفهم ، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : " ألا تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ " قال : فنزلت : { وما نتنزَّل إلاَّ بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربُّك نسيّاً } ( مريم : 64 ).

نماذج من عبادتهم :
1- التسبيح:
الملائكة يذكرون الله تعالى ، وأعظم ذكره التسبيح ، يسبحه تعالى حملةُ عرشه : {الَّذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم } ( غافر : 7 ) ، كما يسبحه عموم ملائكته : { والملائكة يسبحون بحمد ربهم } (الشورى : 5 ) .
وتسبيحهم لله دائم لا ينقطع: {يسبحون اللَّيل والنَّهار لا يفترون } (الأنبياء : 20 ) .
ولكثرة تسبيحهم فإنهم هم المسبحون في الحقيقة ، وحق لهم أن يفخروا بذلك : {وإنَّا لنحن الصَّافون.وإنَّا لنحن المسبحون } (الصافات : 165-166) .
ومعلوم أن التسبيح من أفضل الذكر ، روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذكر أفضل ؟ قال: " ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده : سبحان الله وبحمده ".

2- الاصطفاف والقيام والسجود:
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمس؟ اسكنوا في الصلاة" قال: ثم خرج علينا فرآنا حلقا فقال: "ما لي أراكم عِزين"(أي: جماعاتٍ مُتفرِّقين في حلقاتٍ مُتعدِّدة ) قال: ثم خرج علينا فقال: " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟" فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأُوَل ويتراصون في الصف".(رواه مسلم).
وقد ذكر الله تعالى عن الملائكة في القرآن: ( وإنَّا لنحن الصَّافون ) (الصافات : 165) .

أما عن قيامهم وسجودهم فقد ورد عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال :بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ قال لهم : "أتسمعون ما أسمع؟" . قالوا : ما نسمع من شيء ، قال : "إني لأسمع أطيط السماء ، وما تلام أن تئط ، ما فيها موضع شبر إلا عليه ملك ساجد أو قائم " أخرجه البزار والطبراني.

3- الحج:
للملائكة كعبة في السماء السابعة يحجون إليها ، هذه الكعبة هي التي أسماها الله تعالى : البيت المعمور ، وأقسم به في سورة الطور : { والبيت المعمور } (الطور : 4 ).
قال الإمام الطبري رحمه الله: (يقول: والبيت الذي يعمر بكثرة غاشيته وهو بيت فيما ذُكر في السماء بحيال الكعبة من الأرض، يدخله كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة، ثم لا يعودون فيه أبدا).
وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية : ثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء ، بعد مجاوزته السماء السابعة : "ثمّ رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفاً، لا يعودون إليه آخر ما عليهم" ؛ يعني يتعبدون فيه ، ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم ، والبيت المعمور هو كعبة أهل السماء السابعة ، ولهذا وَجَد إبراهيمَ الخليل – عليه الصلاة والسلام – مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ؛ لأنه باني الكعبة الأرضية ، والجزاء من جنس العمل.
وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله ما يؤيد هذا القول من أن البيت المعمور بحيال الكعبة فأورد آثاراً مروية عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، منهم: علي بن أبي طالب ، منها ما أخرجه ابن جرير من طريق خالد بن عرعرة : أن رجلاً قال لعلي – رضي الله عنه - : ما البيت المعمور ؟ قال : بيت في السماء بحيال البيت يقال له : " الضراح " وهو بحيال الكعبة من فوقها ، ، حرمة هذا في السماء كحرمة هذا في الأرض ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ولا يعودون إليه.

4- خوفهم من الله وخشيتهم له :
من المعلوم أنه بقدر علم العبد بربه تكون خشيته له وخوفه منه سبحانه، ولما كانت معرفة الملائكة بربهم كبيرة ، كان تعظيمهم له ، وخشيتهم له ، عظيمة ، قال الله فيهم : { وهم من خشيته مشفقون } (الأنبياء : 28) .وقال تعالى: { يخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(النحل:50).
ويبين شدة خوفهم من ربهم ما رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كالسلسلة على صفوان " .
قال علي ، وقال غيره : " صفوان ينفذهم ذلك (أي ينفذ الله القول إليهم). فإذا فزع عن قلوبهم (أي زال الخوف) قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا (أي الملائكة المقربون كجبريل وميكائيل) للذي قال : الحق ، وهو العلي الكبير ".
وفي معجم الطبراني الأوسط عن جابر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مررت ليلة أُسري بي بالملأ الأعلى ، وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى ".
والحلس: كساء يبسط في أرض البيت، والسِّرُّ في هذا التَّشْبيهِ: أنَّ الحِلسَ يُلصَقُ بالأرضِ، أو يُلصَقُ بظَهرِ البَعيرِ، فكذلك هذا الخَوفُ وهذه الخَشيَةُ من اللهِ سُبْحانَه وتَعالى لَصيقَةٌ بجِبريلَ عليه السَّلامُ تمامًا كلُصوقِ الحِلْسِ بالأرضِ.
فهذه صور من عباد ة الملائكة عليهم السلام لربهم وهم الذين لا يعصون الله ، فحري بالمسلم أن يتشبه بهم في عبادتهم وطاعتهم لربهم، وإذا بدرت منه معصية سارع بالتوبة إلى الله تعالى.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة