الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدث في مثل هذا الأسبوع (2 - 8 رمضان)

حدث في مثل هذا الأسبوع (2 - 8 رمضان)

حدث في مثل هذا الأسبوع (2 - 8 رمضان)

وفاة الشيخ الجليل الدكتور محمد الراوي 7 رمضان 1438هـ (2017م)
الشيخ محمد الراوي رحمه الله علم من أعلام أمتنا، ورمز من رموزها، وشمس من شموسها، عاش علي الحق ثابتا، وتوفي كالجبال شامخا.
عالم أزهري كبير نفع الله بعلمه الكثير من المسلمين في بقاع الأرض، وساهم في إنشاء العديد من الكليات والمعاهد الدعوية في مصر والسعودية، ونشر الدعوة في إفريقيا.
رجل من رجال الدعوة والقرآن ممن كانت لهم إسهامات فكرية ودعوية وأكاديمية فضلاً عن جهوده الأخرى المتمثلة في جولاته الدعوية ومحاضراته وخطبه ولقاءاته التلفزيونية والإذاعية التي عرفت بالعمق والتنوع والجرأة في الحق.
من الشيوخ القلائل الذين تمتلأ الصدور بالهيبة عندما تراه وتشعر عندما تسمع كلامه بالصدق والحرقة على حال الأمة، كان قلباً نابضا يتحرق على أحوال أمته ولسانا صادقا ينافح عنها وينصح لها.
كان رجلا قرآنيا عظيم التأمل في كتاب الله واسع الاستحضار لآياته، ذو أسلوب جذاب ومتنوع، وذو إقناع فريد من نوعه وصاحب صوت شجي، كم أشجى وحرك القلوب بآيات القرآن كأنما تسمعها أول مرة، كان يتلو الآيات فتخشع القلوب وتذرف العيون.
احتفظ بمكانة عالية لم تصنعها المناصب لكن القلوب أحاطتها، له مزايا جمعت له قل أن تجتمع في غيره، عرف فضله القاصي والداني فنال بعض ما يستحق من احترام و تبجيل من الجميع.
بالعلم النافع والعمل الخالص والبعد عن السلطة، والتعالي على المتاع الزائف عاش حياته مخلصا للدعوة حفيا بالتفسير محبا للإسلام خادما للقرآن.


نشأته و دراسته

ولد الشيخ محمد عبد الرحمن الراوي في 1 فبراير من عام 1928 م، الموافق 9 شعبان عام 1346 هجرية بقرية ريفا في محافظة أسيوط .
مات أبوه وكان عمره سنتين، فتكفل بتربيته خاله (ووالد زوجته فيما بعد) الشيخ محمد فرغلي الذي رعاه وعلمه وأدبه، وألحقه بالكُتّاب، فحفظ القرآن الكريم في سن الثالثة عشر، وبعدها التحق بالمعهد الديني في أسيوط سنة 1941م، حيث كانت المعاهد الأزهرية لا تقبل الطالب في السنة الأولى إلا بحفظ القرآن الكريم كله.
وكان الطالب في المعهد في ذاك الزمان يدرس تسع سنوات، أربع سنوات في القسم الابتدائي وخمس سنوات في القسم الثانوي.
وعقب حصوله على شهادة الثانوية الأزهرية بتفوق تقدم إلى كلية اللغة العربية، إلا أنه تحول منها إلى كلية أصول الدين بالقاهرة سنة 1950 م وحصل منها على الشهادة العالية عام 1954م.
ثم حصل على الشهادة العالمية مع تخصص التدريس من كلية اللغة العربية جامعة الأزهر عام 1956م.

حياته العملية :
عمل الشيخ الراوي فور تخرجه بقسم الدعوة في وزارة الأوقاف، فعين إمامًا وخطيبًا في مسجد خالد بن الوليد بمحافظة الإسماعيلية، كما عمل إمامًا وخطيبًا لمسجد الزمالك، بناء على ترشيح من الشيخ محمد الغزالي الذي كان يشغل منصب مدير المساجد في ذلك الوقت، ثم أصبح مفتشًا عامًا في مراقبة الشؤون الدينية بعد مسابقة عامة لجميع المفتشين كان ترتيبه الأول على الناجحين، ثم نقل بعدها للعمل بالمكتب الفني بمجمع البحوث الإسلامية.
وفي عام 1965م سافر ضمن بعثة للأزهر الشريف إلى دولة نيجيريا لتدريس اللغة العربية وعلوم القرآن .

ربع قرن في السعودية
- طلبته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض للعمل بها، فانتقل إليها بداية من العام الدراسي 1390-1391هـ (1970 م – 1971 م) واستمر بها مدة تزيد على خمس وعشرين سنة عمل خلالها مدرسًا للتفسير وعلوم القرآن والحديث بكلية اللغة العربية، وكلية العلوم الاجتماعية من بداية إنشائها، كما أسهم في إنشاء كلية أصول الدين وعمل بها أستاذًا للقرآن وعلومه ورئيسًا لقسم التفسير أكثر من ثلاثة عشر عامًا، وقد أسهم في إنشاء المعهد العالي للدعوة الإسلامية وقام بإلقاء المحاضرات فيه، وقد أشرف الشيخ الراوي على كثير من الرسائل العلمية ما بين ماجستير ودكتوراه في كلية أصول الدين وغيرها من كليات جامعة الإمام، إضافة لاشتراكه في مناقشة كثير من الرسائل العلمية في الجامعة ذاتها، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة الملك سعود.

عاش بالقرآن وللقرآن ومع القرآن
عاش الشيخ الراوي مع القرآن ودعا به وإليه، عاش يحمل رسالته حتى لقي وجه ربه، له منهج في التفسير دقيق ورائع؛ بل وهو ممن فتح الله عليهم في فهم القرآن العظيم وتدبره.
تعلق الشيخ منذ صغره بالقرآن الكريم، وامتد شغفه بالقرآن دراسة وتدريسا، بالدرجة التي جعلته يسحب أوراقه من كلية اللغة العربية، ويتقدم في كلية أصول الدين، ويروى الشيخ ـ رحمه الله ـ هذه الواقعة في أحد حواراته فيقول: "أحببت أصول الدين بسبب القرآن الكريم، ودخلت بعد تفوقي في الثانوية الأزهرية كلية اللغة العربية، فقمت بسحب أوراقي منها لكي ألتحق بأصول الدين، فذهل الناس؛ لأن اللغة العربية كانت مطلوبة في ذلك الوقت، ولأن الدارسين بها يعملون في المدارس والمعاهد مباشرة بعد التخرج، لكن حبي الشديد للقرآن ودراسته، جعلني أوثره على كل شيء، وأرى فيه متعتي غير العادية منذ الطفولة".
كان رجلا قرآنيا بحق عظيم التأثر بالقرآن كثير الاستشهاد به في دراية تدعو للدهشة والعجب من قوة حجته بالقرآن.
وهو صاحب بصمات قوية في الدراسات العليا القرآنية عموما وفي جامعة الإمام محمد بن سعود خصوصا تخرج على يديه في علوم القرآن وتفسيره عشرات من حملة الدكتوراة في السعودية ومصر وغيرهما.

إذاعة القرآن الكريم
يقول الشيخ الراوي عن أول محاضرة له في السعودية : بدأت أول محاضرة عامة فيها في قاعة كلية الشريعة جامعة الإمام، حيث كانت في شارع الوزير، وكان موضوع المحاضرة الإسلام في نيجيريا، وقد طلب ذلك مني بحكم إقامتي فيها وقدومي إلى الجامعة منها.
وكان لها أثرها وتأثيرها وبخاصة حين ختمت المحاضرة بقولي : لقد كنت أسمع صوت الإنجيل يدوي من وسائل الإعلام في أفريقيا . فهل من غيور على الإسلام يسمع الناس جميعا صوت القرآن ؟
وما هي إلا أيام قلائل حتى رأيت ذلك في واقع الأمر حيث أمر المغفور له جلالة الملك فيصل بإنشاء إذاعة القرآن التي امتد نفعها في كل مكان . ولم تنقطع صلتي بها وأحاديثي فيها مدة إقامتي الطويلة في المملكة العربية حفظها الله ورعاها.

وكما كان حاضرا في الإذاعة السعودية، كان حاضرا أيضا في الإذاعة المصرية، عبر البرامج الدينية الصباحية التي تركز على موعظة مختزلة، ينتفع منها الناس حين يبدأون يومهم، بالإضافة إلى قيامه بتسجيل ما يقرب من 400 حلقة تذاع يوميا على محطة إذاعة القرآن الكريم بالقاهرة، حملت اسم "مقدمة التلاوة"، وهي تسبق التلاوات القرآنية.

كما أشرف ـ رحمه الله ـ على عمل مقدمة للمصحف الوثائقي الذي جمعته إذاعة القرآن بالقاهرة، فجمع بين القراء القدامى، ووصل بينهم في مصحف متكامل بلا انقطاع.
نال الشيخ محمد الراوي عضوية مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، وفي عام 1433هـ(2012م) كان ضمن اللجنة التي شكلت من علماء الأزهر لاختيار أعضاء هيئة كبار العلماء، طبقا للشروط الواردة بالتعديلات الجديدة لقانون الأزهر.
وفي شعبان 1433هـ(يوليو 2012م) اختير الشيخ محمد الراوي عضوًا في هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

مؤلفاته :

من مؤلفاته العلمية:
1- الدعوة الإسلامية دعوة عالمية (مجلد كبير) طبع عدة مرات.
2- كلمة الحق في القرآن الكريم – موردها ودلالتها (مجلدان) طبع أكثر من مرة.
3- حديث القرآن عن القرآن.
4- القرآن الكريم والحضارة المعاصرة (كتيب مطبوع )
5- القرآن والإنسان.
6- الرسول في القرآن الكريم.
7- الرضا.
8- منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله.
9- كان خلقه القرآن.
10- المرأة في القرآن الكريم.

وفاته :
رحل عنا الشيخ محمد الراوي يوم الجمعة 7 رمضان 1438، الموافق 2 يونيو 2017، في القاهرة عن عمر يناهز 89 عامًا وصلي عليه في الأزهر الشريف، في خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة وفي خير الشهور شهر رمضان شهر القرآن إنها حسن الخواتيم، نسأل الله أن يجزيه أعظم الجزاء عما قدمه خدمة للإسلام ودعوته ورسالته، وأن يخلف في الأمة خيرا من حملة الدعوة والرسالة الحكماء.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة