الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أكل الحرام.. ضرره وآثاره

أكل الحرام.. ضرره وآثاره

أكل الحرام.. ضرره وآثاره

اهتمت الشريعة بالمال وطرق كسبه اهتماما كبيرا، اهتمت بتبيين حقيقته والتبصير به، وحذرت كثيرا من فتنته والانحراف به، ورسمت الخطوط السليمة لطرق كسبه، والقنوات الصحيحة لإنفاقه وصرفه، وخوفت وأوعدت من اكتنازه وحجبه.

وكان من أعظم ما بينه الله لعباده في القرآن، وبينه لهم نبيه في سنته، أن الإنسان سيحاسب على ماله لا محالة، من أين اكتسبه وفيما أنفقه كما روى ذلك الإمام الترمذي عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع... وذكر منها.. وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه)(صحيح الترمذي).


ولذا حرِص الإسلامُ على التوجيهِ الصريح والإرشادِ الجليّ حتى يكونَ المسلم حريصًا أشدَّ الحرص على تنقيةِ مكاسبِه من كلِّ كسبٍ خبيثٍ أو مالٍ محرَّم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[النساء:29]، ورسولُنا صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا)رواه مسلم.


غير أن بعض المسلمين استهواه حب المال وجمعُه حتى زلَّت به القدمُ، ومالَت به النفسُ الأمّارة بالسّوء، فراح يجمع الدّنيا بكلِّ طريق، ويستكثِر منها بأيِّ سبيل، فليس لهم هم إلا تكديس الأموال وتضخيم الثروات وتكثير الأصفار من أي وجه جاءت.. الحلال عندهم ما حل في أيديهم، ووصل إليهم بأي وسيلة، والحرام هو ما حرموا منه ولم يستطيعوا الوصول إليه. حتى صدَق على الكثيرينِ إخبارُ المصطفى بقولِه: (ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يُبالي المرءُ بما أخَذَ المالَ أمِن الحلال أم مِنَ الحرام) (رواه البخاري).

ونسي كثير من هؤلاء أن المال الحرام مستخبث الأصول، ممحوق البركة والمحصول، وأنه وبال على الفرد وعلى الأمة، حين يكسبه الفرد من ربا أو رشوة أو ظلم أو غش أو أكل لأموال الناس بالباطل.. فعند ذلك يتنزل سخط الله وتنتشر الموبقات وتكثر المصائب ويدعو الناس فلا يستجاب لهم كما في صحيح مسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا .... ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)(رواه مسلم).
وقال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة، وقد سددت طرقها بالمعاصي.

انتشار الحرام
وإن مما نشكوه إلى الله في زماننا انتشار المكاسب المحرمة، والأموال الخبيثة، ومجاهرة الناس في طلبها والسعي في تحصيلها؛ حتى شاع ذلك وانتشر وألفه الكثير.

فمما شاع من الحرام:
أكل الربا والتعامل به، من غير أن يجد الإنسان غضاضة في ذلك، مع أنه من أكبر المحرمات، وأخبث الخبائث والمكاسب، وهو بمثابة إعلان حرب على الله ورسوله، ومن الله ورسوله على أصحابه وآكليه والعاملين فيه.. قال سبحانه:{يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}(البقرة: ).

أخذ الرشوة: لتسهيل أمر ممنوع، او إعطاء حق لغير مستحق، أو إرساء مناقصة على غير مكتمل الشروط، أو إعطاء وظيفة أو عمل لغير متأهل.. وفي هذا من الشر على الأمة ومن الضرر على الناس ما لا يخفى. ولذلك من فعل ذلك وأعان عليه فهو ملعون: قال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش)، وهو الواسطة بينهما.

الغش والخداع في البيوع والمعاملات: وإخفاء عيب السلعة، أو التطفيف في الكيل والميزان، والحلف الكاذب لترويج السلعة، وغيرها من طرق الغش والخداع، قال تعالى: {ويل للمطففين . الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}(المطففين: 1ـ3).

ومنه بيع المحرمات: كالخمور والمخدرات والدخان.

ومنه أيضا أكل أموال اليتامي والقاصرين، وأكل أموال الزوجات والبنات العاملات بغير حق، أو منعهن من الزواج وتأخيره للانتفاع بأموالهن.. وهو ظلم وعضل مع كونه خسة ودناءة وقلة مروءة.

ومنها أكل أموال العمال في الشركات، أو السائقين والخدم في البيوت، وتأخير الرواتب، أو إنقاصها، او التحايل في تقليلها، أو منعها.

عواقب أكل الحرام
لقد نسي هؤلاء جميعا أو تناسوا أن المال الحرام شر الرزق، وأخبث الكسب، واسوأ العمل، وزاد صاحبه إلى النار.. وأن المكاسب المحرمة ذات عواقب وخيمة وآثار سيئة عظيمة على الفرد والأمة.

سبيل إلى النار ولعنة الجبار:
قال تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي}، وقال تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}.
وقال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش) وهو الواسطة بينهما.. وقال أيضا: (لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء).. وقال عليه السلام: (إنكُم تَخْتَصِمونَ إليَّ، ولعلَّ بعْضَكُم ألْحَنُ بِحُجَّتِهِ من بعضٍ، فمن قضَيتُ له بحَقِّ أخيهِ شيئًا بقوله، فإنما أقْطَعُ له قِطْعَةً من النارِ، فلا يأخُذها)(رواه البخاري).
فهو نار في الدنيا تحرق البدن بالأمراض الخبيثة والعلل المستعصية، ونار تقلب المزاج المعتدل فتفسده، وتجلب الهم والغم والضيق والضنك، ونار تؤجج الفتنة في البيوت، وتورث الشحناء بين ساكنيها، وتستجلب المصائب والشدائد..

مانع لقبول العمل والصدقة:

فإن العبادة مع أكل الحرام كالبناء على أمواج البحر. وإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.. وآكل الحرام لا يوفق للعبادة أصلا.. قال سهل: من أكل الحلال أطاع الله شاء أم أبى، ومن أكل الحرام عصى الله شاء أم أبى.
قال ابن عمر: من صلى في ثوب بعشرة دراهم فيها درهم حرام، لم يقبل الله له صلاة ما دام يصلي فيه.
وروي أن العبد إذا تنسك قال إبليس لأصحابه: انظروا ماذا يأكل، فإن كان يأكل الحرام قال دعوه فإن عبادته مع أكل الحرام لا تغني عنه شيئا.

سبب عقوق الأولاد:
فهو من أعظم أسباب تزايد العقوق وانحراف الأبناء، وانعدام البر، وكثرة الجحود، ولماذا لا يعق الأبناء من أطعمهم الحرام، وأنبت أجسادهم من السحت، وعرضهم لعذاب النار.

سبب رد الدعاء:
كما سبق ذكره في حديث المسافر الأشعث الأغبر آكل الحرام فقال عنه صلى الله عليه وسلم : (... فأنى يستجاب له).

وروي أن سعدا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (سل الله أن يجعلني مستجاب الدعوة. فقال: ياسعد أطب مطعمك تجب دعوتك).

قال يحيى بن معاذ: "خرج قوم من بني إسرائيل مخرجا، يطلبون الاستسقاء، فأوحى الله إلى نبيهم قل لهم: إنكم خرجتم إلى بأجساد نجسة، وبأيد قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام، الآن اشتد غضبي عليكم، ولن تزدادوا مني إلا بعدا".

المال الحرام ممحوق البركة:
قال تعالى: {يمحق الله الربا}، وقال صلى الله عليه وسلم: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة).. وقال (البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما).وقال (من يأخذ مالا بحقه يبارك له فيه ومن يأخذه بغير حقه لا يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع).

فالمال الحرام شؤم ووبال على صاحبه وضرر على جامعه وكاسبه؛ إن أنفقه صاحبه في بر لم يقبل، وإن بذله في نفع لم يشكر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار)(رواه أحمد بإسناد حسنه أحمد شاكر).
المال ينفد حلُّه وحرامُه .. يومــا ويبقى بعـد ذا آثامه
ليس التقي بمتق لإلهه .. حتى يطيب طعامُه وشرابُه

فاتقوا الله عباد الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله؛ فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وأغننا بفضلك عمن سواك.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

خواطـر دعوية

المواساة خلق أهل المروءة

"المواساة" خلق نبيل، من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات التي دعا إليها الإسلام، وهو من أخلاق المؤمنين، وجميل...المزيد