الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفسير الإشاري (2)

التفسير الإشاري (2)

 التفسير الإشاري (2)

أقسام التفسير الإشاري: قسم العلماء التفسير الإشاري إلى ثلاثة أقسام هي:

التفسير الإشاري اللفظي: ويُقصد به التفسير المرتبط بإشارة لفظة خاصة يُستدل بها على معنى آخر يستبطن معناه في اللفظ العام، ومن أمثلة ذلك: الاستدلال على تجويز أنكحة الكفار من قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]، وهذا الذي يسميه الأصوليون ظاهر اللفظ.
التفسير الإشاري المعنوي: ويقصد به التفسير المرتبط بإشارة المعنى العام للآية أو السورة، فيدل على معنى يستبطن في معنى تلك الآية أو السورة العام، وهو فهم يؤتيه الله تعالى من يشاء من عباده، ومن ذلك فهم ابن عباس من سورة النصر أنها جاءت بقرب أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كفهم عمر رضي الله عنه من قوله تعالى: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ} [المائدة: 3] أنها نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذان النوعان من التفسير الإشاري لا إشكال فيهما عند العلماء عمومًا؛ لأنهما لا يعكران معنىً، ولا يخالفان نصًا، ولا يخرجان عن حدود الدين واللغة والقياس الصحيح، بل يستمدان المعنى من النص الماثل أمامها، وإنما كان الإشكال في التفسير الإشاري في نوعه الثالث وهو التفسير الإشاري الرمزي، وبيان ذلك كما يأتي.
التفسير الإشاري الرمزي: وهو تفسير يعتمد في الوصول إلى المعنى على الذوق والوجد والترقي في المقامات الصوفية، حتى إذا ما وصل المتصوف مقام العرفان؛ فاضت عليه مكنونات العلم وأسرار المعرفة، وهذا التفسير هو الذي تكثر فيه الألفاظ الغامضة، والطلاسم والاصطلاحات، وألفاظ العشق والشوق، والوصال مع الله تعالى، ولذا فُسّر الحج عند أولئك العارفين بأنه حج الروح إلى القلب الذي هو بيت الله العامر بالذكر، وليس إلى بيت الخليل، وفسرت شهادة الأولياء بقتلهم بسيوف المحبة وسهام مخالفة النفس ونحو ذلك. وهذا النوع من التفسير الإشاري هو الذي جعل العلماء ينكرونه لما يرون فيه من مخالفة صريحة لظواهر الآيات، وكل ما يقال في إنكار التفسير الإشاري ورده إنما يراد منه هذا النوع من التفسير الإشاري، وفيما يلي بيان آراء العلماء في هذا النوع من التفسير.
آراء العلماء في التفسير الإشاري وضوابط قبوله: اختلفت آراء العلماء في التفسير الإشاري عمومًا بين من قبله ورآه نوعًا من صفات الكمال والعرفان، ومن رده ورآه إلحادًا في آيات الله تعالى، وخروجًا عن الحق فيها، فالغزالي رأى الأخذ بالتفسير الإشاري وقال: "وما من كلمة من القرآن إلا وتحقيقها محوج إلى مثل ذلك، وإنما ينكشف للراسخين في العلم من أسراره بقدر غزارة علومهم وصفاء قلوبهم، وتوفر دواعيهم على التدبر، وتجردهم للطلب، ويكون لكل واحد حد في الترقي إلى درجة أعلى منه، فأما الاستيفاء فلا مطمع فيه، ولو كان البحر مدادًا والأشجار أقلامًا فأسرار كلمات الله لا نهاية لها، فتنفد الأبحُر قبل أن تنفد كلمات الله عز وجل"، ثم انتقد مما يسمى التفسير الإشاري ما كان من الشطحات الصوفية التي فيها ألفاظ العشق والغرام، والوصال مع الله تعالى وترك الأعمال، أو كانت الكلمات رموزًا غير مفهومة وليس وراءها طائل، وهو التفسير الرمزي.
وكذا كان مذهب ابن تيمية أيضًا، حيث قبل من التفسير الإشاري ما كان على جهة الاعتبار والقياس، وإلحاق ما ليس بمنصوص بما هو منصوص، مثل الاعتبار والقياس الذي يستعمله الفقهاء في الأحكام، ولكنه في التفسير للترغيب والترهيب وفضائل الأعمال ونحو ذلك، فإن كانت الإشارة اعتبارية من جنس القياس الصحيح كانت حسنة مقبولة، وإن كانت كالقياس الضعيف كان لها حكمة، وأما غير ذلك من التفسير القائم على التأويلات التي تحرف الكلم عن مواضعه باسم الإشارة فرأى أنه من جنس كلام القرامطة والباطنية والجهمية ونحوهم.
أما ابن عاشور من المعاصرين فرأى أن التفسير الإشاري لا يعدو أن يكون واحدًا من ثلاثة أنحاء، الأول: ما كان يجري فيه معنى الآية مجرى التمثيل لحال شبيه بذلك المعنى كمن شبه المساجد بالقلوب في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: 114]. والثاني: ما كان من نحو التفاؤل فقد يكون للكلمة معنى يسبق من صورتها إلى السمع هو غير معناها المراد، وذلك من باب انصراف ذهن السامع إلى ما هو المهم عنده، والذي يجول في خاطره، وهذا كمن قال في قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ} [البقرة: 255] مَن ذلَّ ذِي إشارة للنفس يصير من المقربين الشفعاء. الثالثة: عبر ومواعظ وشأن أهل النفوس اليقظى أن ينتفعوا من كل شيء ويأخذوا الحكمة حيث وجدوها فما ظنك بهم إذا قرأوا القرآن وتدبروه فاتعظوا بمواعظه، فإذا أخذوا من قوله تعالى: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] اقتبسوا أن القلب الذي لم يمتثل رسول المعارف العليا تكون عاقبته وبالا. ثم قال: "وكل إشارة خرجت عن حد هذه الثلاثة الأحوال إلى ما عداها فهي تقترب إلى قول الباطنية رويدًا رويدًا إلى أن تبلغ عين مقالاتهم".
فنلاحظ أن هؤلاء العلماء قد قبلوا أنواعًا من التفسير الإشاري أيَّا تكن مسمياته عندهم، وردوا ما كان منها على سبيل الرمز لأنه يتوافق وتفسير الباطنية للقرآن الذي يحرف الكلم عن مواضعه، ولذا قال ابن القيم في هذا النوع من التفسير "وتفسير على الإشارة والقياس، وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم، وهذا لا بأس به بأربعة شرائط: ألا يناقض معنى الآية، وأن يكون معنىً صحيحًا في نفسه، وأن يكون في اللفظ إشعار به، وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم.فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة، كان استنباطًا حسنًا.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة