الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدث في مثل هذا الأسبوع(12 - 18 من ذي القعدة)

حدث في مثل هذا الأسبوع(12 - 18 من ذي القعدة)

حدث في مثل هذا الأسبوع(12 - 18 من ذي القعدة)

وفاة الشيخ علي عبدالله جابر "إمام الحرم المكي" 12 من ذي القعدة 1426هـ(2004م):
كان الشيخ علي جابر واحدا من أئمة الحرم المكي النوادر الذين نقشوا حبهم بسحر تلاوتهم الشجية في قلوب الملايين من المسلمين، كان رحمه الله عذب التلاوة ندي الصوت جهوري الأداء صاحب نغمات متفردة ومتعددة، وطريقة مميزة تهز أوتار القلوب هزا، كان يحيي قلوب المصلين بالخشوع ويغرق أعينهم بالدموع حين كان يتلو آيات القرآن الكريم وكأنهم يستمعون إليها أول مرة.
ولبراعته وتفرده كان معظم القراء الجدد وأئمة المساجد يتنافسون على تقليد صوته الشجي المسكون بالخشوع والرهبة خصوصا في صلاة التراويح وختم القرآن في شهر رمضان المبارك.

نشأته

ولد علي بن عبد الله بن صالح بن علي جابر في مدينة جدة في شهر ذي الحجة عام 1373هـ.
ويعود في نسبه إلى قبيلة آل علي جابر اليافعيين الذين استوطنوا منطقة "خشامر" في حضرموت ونشروا فيها دعوة التوحيد وحاربوا الجهل والخرافة وعرفوا بتمسكهم بالكتاب والسنة الصحيحة وعقيدة السلف الصالح ودعوتهم إلى منهج أهل السنة والجماعة، ومنها انتقل والده عبد الله بن صالح بن علي جابر إلى جدة بالحجاز واستقر فيها.
عند بلوغه الخامسة من العمر انتقل إلى المدينة المنورة برفقة والديه وأتم حفظ القرآن الكريم في الخامسة عشر من عمره، كان والده لا يسمح له ولإخوته بالخروج للشارع واللعب مع الأطفال حتى مات، فكان علي جابر لا يعرف إلا طريق المسجد النبوي ومن ثم الدراسة وأخيراً العودة إلى البيت.
توفي والده في عام 1384هـ وعمر علي جابر آنذاك لا يتجاوز إحدى عشرة سنة وكان لوالده الدور الكبير في تربيته وتنشئته كما يقول، ثم تولى تربيته ورعايته بعد وفاة والده والدته بالمشاركة مع خاله.
ولعل أبرز ما تميز به علي جابر هو بره الشديد بوالدته وحبه لها حتى أنه ضحى بأمور كثيرة في مقابل البقاء بجوار والدته في المدينة المنورة، وقد يعود سبب ذلك لوفاة والده وهو ما زال في مقاعد الدراسة، فقامت والدته بتربيته والاهتمام به بمساعدة خاله، وهذا ما جعله يتعلق بوالدته تعلقاً شديداً
ترسخ في نفس وعقل علي جابر أمنية والده في أن يكون أحد أبنائه عالماً شرعياً، فحرص بمساعدة والدته على تحقيق أمنية والده، فترك اللعب مع الأقران فحفظ القرآن الكريم في جامع الأميرة منيرة ثم معهد القرآن الكريم.
دراسته
درس المرحلتين الابتدائية والمتوسطة في دار الحديث بالمدينة المنورة ثم درس بعد ذلك الدراسة الثانوية في المعهد الثانوي التابع للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، واتجه بعدها إلى كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية وتخرج منها عام "95 /1396 هـ" بدرجة امتياز، ليغادر إثر ذلك إلى الرياض لإكمال دراسة الماجستير من المعهد العالي للقضاء الذي حصل عليه بتقدير امتياز في أطروحته (فقه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأثره في مدرسة المدينة) ونوقشت الرسالة عام 1400هـ وحصل على درجة الماجستير بامتياز ثم في عام 1405هـ تقدم إلى المعهد العالي للقضاء بالرياض لتسجيل موضوع رسالته لنيل درجة الدكتوراه في الفقه المقارن فتمت الموافقة وبدأ الشيخ تحضيره لرسالة الدكتوراه بعنوان: " فقه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق موازناً بفقه أشهر المجتهدين " وتم مناقشة تلك الرسالة في الثاني والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1407هـ وحصل بموجبها على مرتبة الشرف الأولى.

حياته العملية
بعد تفوق علي جابر وحصوله على درجة الماجستير رشح للقضاء من الشيخ عبد الله بن حميد الذي كان رئيساً لمجلس القضاء الأعلى في ذلك الوقت وتم تعيينه قاضياً في منطقة ميسان قرب الطائف إلا أن علي جابر اعتذر عن تولي هذا المنصب، وطلب من الشيخ عبد الله إعفاءه من القضاء وبذل شتى المحاولات إلا أن الشيخ عبد الله بن حميد رفض أن يعفيه، فتقدم بطلبه إلى الملك خالد لإعفائه من القضاء، فتم تعيينه مفتشاً إدارياً بوزارة العدل فكان يقول: «ما كنت أريد الاقتراب من القضاء أو أي أمر يتعلق به»، واعتذر أيضاً عن تولي هذه الوظيفة، ومع اعتذاره عن تولي القضاء والتفتيش عليه تم إخلاء طرفه من وزارة العدل.
وبقي الشيخ سنة كاملة بدون وظيفة إلى أن تم تعيينه محاضراً في كلية التربية بالمدينة المنورة فرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة وبالتحديد في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وباشر التدريس بها في شهر شوال من العام الجامعي 1401هـ، وفي نفس العام ابتعثته الجامعة لدراسة اللغة الإنجليزية في كندا فمكث فيها ثمانية أشهر وسجل فيها مصحفه المرتل الذي يذاع في إذاعة القرآن الكريم.
ثم رجع إلى المملكة وتوجه إلى المدينة المنورة واستمر في عمله محاضراً بكلية التربية، وكان يصلي بالناس في رمضان ببعض مساجد المدينة النبوية.
بعد حصول الشيخ على درجة الدكتوراه تم تعيينه أستاذاً للفقه المقارن بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، واستقر في عمله بجدة خاصة بعد وفاة والدته.

الإمامة بالمسجد الحرام
حفظ علي جابر القرآن في سن مبكرة وأتقن حفظه بصورة قد أذهلت الحفظة إلا أنه لم يكن يطمح في الإمامة إلا أن إرادة الله أوصلته ليكون إماماً بالمسجد الحرام فلم يسع علي جابر لأن يكون إماماً للمصلين لكن شاءت الإرادة الربانية أن يتولى الإمامة في مسجد الغمامة بالمدينة المنورة عامين متتالين (1394 / 1396) وهو نفس العام الذي تخرج فيه من الجامعة ثم تولى الإمامة في مسجد السبق عاماً كاملاً.
ثم جاء عام 1401 هـ في حقبة الملك خالد بن عبد العزيز فكان إماماً له في المسجد الخاص بقصره في الطائف وعندما نزل مكة في ليلة الثالثة والعشرون من رمضان طلب الملك خالد بن عبد العزيز من علي جابر أن ينزل معه إلى مكة ولم يبلغ علي جابر مسبقاً بأنه سيكون إماماً للحرم المكي أو أنه سيتولى الإمامة وفي ليلتها بعد الإفطار طلب الملك خالد بن عبد العزيز من علي جابر التوجه للمسجد الحرام للصلاة بالناس في تلك الليلة وكان المقرر أن علي جابر يؤم المصلين في تلك الليلة فقط ولكن بعض الأعيان والشخصيات الموجودة في مكة طلبوا من الملك أن يبقي عليه في الليالي التالية حتى بعد رحيل الملك إلى الطائف وبقي يؤم المصلين حتى ليلة التاسع والعشرون من رمضان ثم صدر أمر ملكي بتعيين علي جابر إماماً في المسجد الحرام.
ورغم أن الشيخ علي جابر فوجئ بإمامة المصلين في صلاة التراويح إلا أن المصلين لم يشعروا ولم يلاحظوا تلك الرهبة المعهودة على الأئمة عندما يقفوا لأول مرة في المحراب للإمامة ومحراب المسجد الحرام الذي يمر أمامه الطائفون ويصلي خلفه الملايين في ليالي العشر الأخيرة من رمضان لم ينتب علي جابر رهبة الموقف رغم أن عمره كان حينها 27 عاماً.
ثم صار الشيخ إماماً رسمياً بالمسجد الحرام يؤم الناس بصوته الشجي في صلاة الفجر بالمسجد الحرام عام 1402هـ، وفي صلاة التراويح والتهجد وهو نفس العام الذي توفي فيه الملك خالد بن عبد العزيز.


طلبه الإعفاء من الإمامة بالمسجد الحرام
في عام 1403هـ ولظروف عديدة تقدم علي جابر بطلب الإعفاء من الإمامة بالمسجد الحرام ووافق عليه المسئولون برئاسة شؤون الحرمين، وفضل أن يرجع إلى عمله بالتدريس الجامعي في المدينة المنورة بسبب شدة تعلق الشيخ بوالدته في المدينة ورغبته في نفس الوقت بمواصلة مسيرته في طلب العلم وتدريسه من خلال عمله الوظيفي وهو التدريس الجامعي بالمدينة النبوية التي نشأ وطلب العلم فيها وعاصر فيها نخبة من كبار العلماء وكان متعلقاً بها ويسافر إليها من مكة كل يوم أحد وثلاثاء ليباشر عمله في التدريس الجامعي فيها، وكذلك ما تعرض له من ابتلاءات عديدة بسبب الشهرة الكبيرة التي حصلت له من إعجاب الناس بتلاوته في المسجد الحرام.

تكليفه بالإمامة مجدداً في المسجد الحرام

في مطلع رمضان عام 1406هـ وبأمر من الأمير سلطان بن عبد العزيز توجه الشيخ إلى مكة المكرمة ليصلي بالناس مجدداً في المسجد الحرام صلاة القيام في شهر رمضان من ذلك العام – كإمام مكلف لصلاة القيام في شهر رمضان - بعد أن صلى أول الليالي من رمضان ذلك العام في مسجد المحتسب بالمدينة المنورة ثم في العام الذي تلاه تلقى الشيخ مجدداً دعوة رسمية للتكليف بإمامة المسلمين في المسجد الحرام في شهر رمضان عام 1407هـ وفي الثاني والعشرين من نفس الشهر حصل على درجة الدكتوراه في مدينة الرياض.
وفي عام 1408هـ وكذلك في عام 1409هـ تلقى علي جابر دعوة تكليف للإمامة في الحرم الذي كان آخر رمضان تصل إلى علي جابر فيه دعوة رسمية للتكليف بالإمامة في الحرم المكي.

في رمضان عام 1410هـ افتقد المصلون في المسجد الحرام الشيخ علي عبد الله جابر مجدداً لأنه لم تصل إليه دعوة رسمية للتكليف بإمامة المسجد الحرام في شهر رمضان كما كان حاصلاً في الأعوام التي سبقته، وصلى في رمضان ذلك العام في أقرب مسجد إلى بيته وهو مسجد بقشان بجدة ولم يكن هو إمام ذلك المسجد كما اشتهر عند البعض وإنما كان يصلي بالناس التراويح بإلحاح شديد من محبيه والقائمين على المسجد، لم يلتزم علي جابر بالإمامة في أي مسجد بعد توقف دعوات تكليفه للإمامة في المسجد الحرام وإنما كان الناس يقدمونه في الصلاة إذا كان حاضراً وقت إقامة الصلاة في المساجد المختلفة قرب منزله أو المساجد الأخرى لتقديرهم وحبهم للصلاة خلفه، واستمر على ذلك عدة سنوات ثم مرض ولزم بيته لسنوات وانقطع عن إمامة الصلاة بالناس.

وفاته

توفي الشيخ علي جابر مساء يوم الأربعاء الثاني عشر من شهر ذي القعدة 1426هـ، الموافق 13 ديسمبر 2004م في مدينة جدة، عن عمر قارب 53 عاما، بعدما عانى كثيراً من المرض بعد أن أجرى عملية جراحية للتخلص من الوزن الزائد رجعت بآثار سلبية ومضاعفات على صحته مما استدعى مراجعته للمستشفى شهوراً طويلة ودخوله مراراً لغرفة العناية المركزة.
وصلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العصر يوم الخميس الثالث عشر من شهر ذي القعدة عام 1426 هـ ودفن في مقبرة الشرائع بمكة المكرمة رحمه الله وأحسن إليه.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة