الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفع المعنويات في السنة النبوية

رفع المعنويات في السنة النبوية

 رفع المعنويات في السنة النبوية

رفع الروح المعنوية من المواضيع التي تحظى بالاهتمام في الدراسات النفسية الحديثة، ويحتاج إليها الإنسان في جميع نشاطاته التعليمية، والعسكرية، وغيرها من المجالات التي تتطلب جهودا روحية ونفسية، لتجاوز المصاعب واستدامة العمل، والعناية النبوية بالجوانب المعنوية للمسلم أمر ظاهر، ومن ذلك الاهتمام بحيوية الروح، وتفاؤلها، وتغذيتها بالكلمات التي ترفع من كفاءتها، لمزيد من العمل والعطاء، وهذا من المواضيع الظاهرة في السنة النبوية، من خلال النماذج التالية.

أولا: تشجيع روح المبادرة:
جاء في السنة النبوية ما يحث على هذه القيمة العظيمة، وهي المبادرة الإيجابية، وعدم الوقوع تحت تأثير الكسل والتخاذل والتباطؤ.
ومن ذلك: ما أخرج مسلم في صحيحه عن جرير بن عبدالله قال : "جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة، فحث الناس على الصدقة فأبطؤا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه، قال : ثم إن رجلا من الأنصار جاء بصرة من ورق ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقض من أوزارهم شيء".
قال الإمام النووي على شرح مسلم عقب ذكر هذا الحديث: فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات.
ثانيا: استدامة الأمل بالنصر والعاقبة الحسنة:
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يكون المسلم مستصحبا لهذه الروح العالية التي تستشرف الخير والنصر وتعمل لأجله، وهذا زاد لا بد منه حتى لا تنقطع به آفات الطريق، من اليأس والقنوط، والخيبة والسآمة.
يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون "، وفي رواية يقول صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم ويغطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله"، وفي رواية: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، والترمذي وابن ماجة.
وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله ! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود".
هذه الأحاديث وغيرها لها تأثيرات معنوية على الروح المسلمة، ولا سيما في زمن الانكسار والضعف، وعلو راية الباطل، فإن التذكير بها مع السعي في أسباب النصر من أهم ما يحفظ لياقة الروح، وفاعلية النفس.
ثالثا: رفع المعنويات في مواجهة الباطل:
كثيرا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتني بهذا الأمر في مراحل الشدة، ومواطن الأزمات، حيث يستعيد ببضع كلمات نشاط العزائم، وإرادات النصر والتضحية.
ففي غزوة الخندق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة يبشرهم بالنصر والفرج، وقد أحاط بهم الأحزاب من كل مكان، كما أخرج النسائي في سننه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر ‌الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ المعول، ووضع رداءه ناحية ‌الخندق وقال: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم} فندر ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر، ‌فبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقة. ثم ضرب الثانية وقال: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم}. فندر الثلث الآخر، فبرقت برقة فرآها سلمان ثم ضرب الثالثة وقال: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم}. فندر الثلث الباقي، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ رداءه وجلس. قال سلمان: يا رسول الله، رأيتك حين ضربت ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا سلمان، رأيت ذلك؟" فقال: إي والذي بعثك بالحق يا رسول الله، قال: "فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها، ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعيني"، قال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا، ويغنمنا ديارهم، ويخرب بأيدينا بلادهم. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك "ثم ضربت الضربة الثانية، فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعيني". قالوا: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا، ويغنمنا ديارهم، ويخرب بأيدينا بلادهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. "ثم ضربت الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم».
رابعا: استعادة الروح المعنوية بجبر الخواطر:
الكلمة الصادقة قد تقع على موضع ضعف فتقويه، أو على جرح غائر فتداويه، أو على نفس خاملة فتفك قيادها وتطلق قيدها.
ففي صحيح ابن حبان عن أنس بن مالك أن رجلا من أهل البادية يقال له زاهر بن حرام كان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الهدية فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن زاهر بادينا ونحن حاضروه"، قال: فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه والرجل لا يبصره، فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت إليه فلما عرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم جعل يلزق ظهره بصدره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري هذا العبد؟"، فقال زاهر: تجدني يا رسول الله كاسدا، قال: "لكنك عند الله لست بكاسد أو قال صلى الله عليه وسلم: بل أنت عند الله غالٍ ".
بهذه الكلمة اليسيرة ترتفع معنويات زاهر بن حرام، ويستعيد ثقته بنفسه ومكانته، ويتجاوز شعوره بضعف قيمته، وكساد سوقه بسبب دمامة خلقته، ويتحول ذلك الشعور إلى يقين بأن القيمة الحقيقية عند الله، وأنها ليست بالمظاهر وجمال الصورة، وإنما بسلامة القلب وصلاح العمل.
خامسا: التخفيف على المصاب في مصيبته:
وفي السنة النبوية نماذج من تلك الكلمات النبوية التي تتعافى فيها النفوس من علل الأحزان، وبلاء الهموم والغموم.
أخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضى الله عنه آن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة - وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب – فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال : "يا أم حارثة إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى ".
وفي سنن أبي داود عن أم العلاء قالت : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة فقال: "أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة".
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مرحبا بابنتي" ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكين، ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فسألتها فقالت: "أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي" فبكيت، فقال: "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين" فضحكت لذلك.
فهذه بعض النماذج في بث روح الأمل، ورفع المعنويات في السنة النبوية، وهو أسلوب تربوي لا يستغني عنه المربي، ويحتاج إليه كل أحد، فالكلمة سلاح نافذ يفعل في النفس فعلا عظيما من الأثر الإيجابي، وتثبيت النفوس، واستمرار فاعليتها ونشاطها، ويحتاج إليه الإنسان في جميع المستويات والمجالات.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة