الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جاء التتار غزاة وعادوا دعاة

جاء التتار غزاة وعادوا دعاة

جاء التتار غزاة وعادوا دعاة

تعد جمهورية تتاريا إحدى الجمهوريات الإسلامية التي تتمتع بالحكم الذاتي في ظل الاتحاد الروسي ، فنسبة المسلمين تتجاوز الـ 65% وتعداد السكان يزيد عددهم على الأربعة ملايين نسمة ، وهناك أقلية من الروس الذين استوطنوا الجمهورية في ظل الشيوعية ، ويسيطرون على الدوائر الرسمية ..

وتنتسب تتارستان إلى الشعب التتري المسلم الذين نقلوا الإسلام إلى شمال أوروبا، فوصلت الدعوة بجهودهم إلى روسيا الأوروبية وفلندا وبولندا وشبه جزيرة اسكندنافيا .
وقد احتلها الروس عام 960هـ - 1552 وأجلو أهلها عن قازان العاصمة ليحلوا محلهم ، ولكنهم تمسكوا بعقيدتهم وصمدوا لتحدي قياصرة روسيا طيلة أربعة قرون ، فضربوا مثلا رائعا في الصمود والتحدي والا عتزاز بالإسلام ، ولا يزال هذا الشعب رغم تشتته في أنحاء مختلفة يمثل دين الأغلبية فيه .
وقد كانت قازان العاصمة ذات جامعة إسلامية بها سبعة آلاف طالب في مستهل القرن العشرين ، ومطابع تخصصت بطباعة المصاحف ، والكتب الدينية وكان فيها مدارس ومكتبات إسلامية ، وكان دورها الإسلامي منافس للعواصم الإسلامية البارزة ، وقد حافظت على طابعها هذا حتى بعد الثورة الشيوعية وكانت ترسل الدعاة إلى مختلف البلاد الخاضعة لروسيا القيصرية وبخاصة إلى سيبريا بعد قانون حرية التدين في روسيا 1323هـ 1905م.

الحروب القاسية
وبعد أن استولى السوفييت على الحكم واجه التتار حربا قاسية على معتقداتهم ، فأغلقت المدارس الإسلامية ، ودمرت المكتبات والمطابع الإسلامية في قازان ، فواجهوا ذلك بالتحدي ، وقدموا العديد من الشهداء ، حتى أولئك الذين تعاونوا مع الشيوعيين في البداية مثل سلطان علي أوغلي ( عالياف) الذي نادي بتوحيد المسلمين في روسيا في كيان دولة واحدة تتحد مع السوفيت على مستوى واحد ، فقبض عليه سنة 1342هـ 1923م، وأعدم في سنة 1356هـ 1927م.

صحوة إسلامية
يقول غوسمان ، مفتي تتارستان ، ( ينتشر الإيمان في دمنا وعظامنا ، يمكنك أن تخلع عن الواحد منا ثيابه وأن تلقيه في غياهب السجون ، لكنك لا تستطيع أن تنتزع منه إيمانا يمارس من ألف عام ، ويضف الناس هنا ليسوا ملحدين ، على رغم أن ثلاثة أجيال نشأت تحت الحكم السوفياتي ، بل هم يجهلون دينهم واليوم يعود كثيرون منهم إلى الاهتمام بالإسلام .

50 مسجداً
يمكن بالعين المجردة رؤية صحوة الإسلام هذه في تتارستان ، الجمهورية المتمتعة بالحكمة الذاتي في روسيا الاتحادية، حيث نصف السكان من التتار ، وهم شعب مسلم منذ العام 922هـ ، ففي 1990م في عهد البيرويسرويكا لم يكن هناك سوى مسجد واحد في قازان ، أما اليوم فهناك خمسون مسجداً ، ويتم الآن تشييد مسجد كبير باسم ( قولف شريف) داخل باحة الكرملين في قازان ، على بعد خطوتين من الكاتدرائية الأرثوذكسية. كما يمكن إحصاء حوالي ألف مسجد في سائر الجمهورية .

والظاهرة اللافتة أيضا هي عودة السكان للإسلام ، فحيثما أدرت الوجه في المساجد أو في المدارس الدينية التقليدية ، تجد المئات بل الآلاف من التتار يتعلمون من جديد تعاليم الإسلام وتخرج المدرسة الإسلامية ـ أحد مراكز التعليم الإسلامي الستة العاملة في قازان بموافقة من السلطات ـ مئات الطلاب الذين ينقسمون إلي ثلاثة فصول : أولها يضم مائتي شاب تقل أعمارهم عن الخمسة والعشرين عاماً يدرسون نهاراً والثاني مسائي يضم نحو 300 شخص ، والثالث يشمل نحو 300 رجل وامرأة يتلقون التعليم في مساجد قراهم ومدنهم مدة ثلاث سنوات ، ويواصلون دراستهم بعدها في منازلهم على أن يأتوا لمدة عشرة أيام ، مرتين في السنة ، لتقديم الامتحانات في المدرسة .

احتياجات المسلمين في تتارستان
يعيش المسلمون في تترستان حالة شبه مستقرة إلا من محاولة الحكومة الروسية عزلهم عن العالم الإسلامي وعن الفكر الإسلامي الصحيح ، ولذا قامت بإنشاء جامعة إسلامية في قازان لسد الطريق أمام الراغبين في دراسة العلم الشرعي من السفر إلى الخارج ، كما منعت العرب من التدريس في المدارس والمعاهد الشرعية ومنهم الذين رشحتهم جامعات إسلامية للتدريس في جامعة قازان ، حيث رفضت الحكومة إعطاءهم تأشيرات دخول ( بحجة الحد من انتشار التيار الأصولي !!) ولذا فإن إيصال الصوت الإسلامي الصحيح من أهم احتياجاتهم لئلا تصنعهم روسيا على عينها وينشأ جيل مدجن لا هو إسلامي ولا هو علماني .
ـــــــــ
عن مجلة الدعوة

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة