الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلماء والجهاد ( 5 )عبد القادر الجزائري

العلماء والجهاد ( 5 )عبد القادر الجزائري

 العلماء والجهاد ( 5 )عبد القادر الجزائري

تبوأ الشيخ عبد القادر بن الشيخ محيي الدين الحسني أكبر مركز بين العلماء في المغرب ، فقد كان - رحمه الله - فقيهـًا ذا عبقرية إسلامية فذة .
وفي السنة الثانية من احتلال الكفار المستعمرين الفرنسيين لأرض الجزائر سنة 1348هـ ، اجتمع علماء الجزائر وأصحاب الكلمة فيها ، وأبدوا الرأي في مسجد مدينة مسكر ، وبايعوا الشيخ عبد القادر على الإمارة والجهاد لتحرير أرض الجزائر من الغاصبين المعتدين ، وإقامة الشرع الإسلامي الحنيف في البلاد ، فأنشأ - رحمه الله - حكومة إسلامية برئاسته ، لتحقيق هذه الغاية .

وحين علم الكافر المستعمر الفرنسي ، بظهور الشيخ عبد القادر وحكومته الإسلامية ،تملكه الفزع والهلع ، فشن حربـًا هجومية مسعورة للقضاء على كل استعداد عسكري لها ، ولإبادة المجاهدين وحكومتهم ، إلا أن الشيخ عبد القادر رد هذا الهجوم بشكل عنيف جدًا ، مما أرغم على بقائه ، معتصمـًا في داخل الحصون والقلاع .

ولما عجز الجنرال دي ميشال ولم يتمكن من فك الحصار المضروب حول رجاله في وهران وستغانم ، وكادت الجيوش المجاهدة ، تسحق القوات الاستعمارية داخل الحصون ، لو لم يمل القائد الفرنسي إلى المراوغة ، فأرسل إلى الأمير الشيخ عبد القادر ، يطلب منه التماس الصلح من فرنسا ودس بين سطور رسالته عبارات التهديد والتخويف ، بقوة فرنسا الهائلة التي تعد أكبر قوة في العالم .

ولكن الشيخ عبد القادر أجابه إجابة القائد المؤمن ، الواثق بنصر الله تعالى ، الفاهم للإسلام ، العالِم بأحكام الشرع المتعلقة بالجهاد ومقاتلة الكفار .
فقال - رحمه الله تعالى - : " إن ديننا يمنعنا من طلب الصلح ابتداءً ، ويسمح لنا بقبوله إذا عرض علينا ، وإن المفاوضة التي تطلبونها يجب أن تكون مبنية على شروط محترمة منا ومنكم " .
والشيخ بقوله هذا يشير إلى قوله تعالى : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ )( الأنفال: 61 ) .

ثم استطرد الأمير الشيخ قائلاً في جوابه : " كيف تفاخرون بقوة فرنسا ولا تقدرون القوة الإسلامية ، مع أن القرون الماضية أعدل شاهد على قوة المسلمين وانتصاراتهم على أعدائهم ، ونحن وإن كنا ضعفاء على زعمكم ، فقوتنا بالله الذي لا إله إلا هو لا شريك له ، ولا ندعي بأن الظفر مكتوب لنا دائمـًا ، بل نعلم أن الحرب سجال يوم لنا ويوم علينا ، غير أن الموت سر لنا وليس لنا ثقة إلا بالله وحده ولا شريك له ، لا بعَدد ولا بعُدد ، وإن دوي الرصاص وصهيل الخيل في الحرب لآذاننا خير من الصوت الرخيم " .
ثم يتحدى الجنرال دي ميشال وقواته قائلاً : " متى خرجتم من وهران مسافة يوم أو يومين يظهر للعيان من يستحق الفخر بنا " .
تلك إجابة العالم المجاهد ، فكان جوابه كالصاعقة التي أذهلت هذا القائد الكافر الغر النزق .

إن هذا العالِم الرجل ، ليس من أولئك الرؤساء الذين تخور أعصابهم للتهديد والوعيد ، كما لم يكن من أولئك الذين يتربعون على كراسي الحكم شهوة للحكم ، فإذا هُددوا وأُنذروا ركعوا وخروا ساجدين ، متمرغين على الأعتاب ، بل على الأقدام ، في سبيل المحافظة على تلك الكراسي الزائفة والزائلة .

عند ذاك أعلن الشيخ الجهاد ، فاستجاب لندائه الأبرار من جند الرحمن وأنصار الإسلام وحزب الله ، على جند الكفر وأنصار الاستعمار وحزب الشيطان ، فدام جهاده المبارك هذا سبعة عشر عامـًا ، وكان هذا الإعلان الخالد أول شرارة لإشعال نار الحرب المقدسة ضد الباغين المعتدين ،فدخل المعارك الحربية ، وكانت سجالاً بين الفئتين ، يوم لنا ويوم علينا ، ثم استمر العلماء المجاهدون من أهل الجزائر ، كلما استشهد عالِم قام آخر ، وأخذ العلماء يتولون القيادة في الجهاد .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

من ذاكرة التاريخ

الإمام محمد بن سيرين

ابن سيرين تابعي كبير وإمام قدير عرف بالزهد والورع، وكان إمام عصره ‏في علوم الدين، فقيهاً ومفسراً ومحدثاً وإماماً...المزيد