الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

درس لا يُنسى..!

درس لا يُنسى..!

درس لا يُنسى..! كنت في رحلة إلى مدينة (وجير) في الشمالي الشرقي لجمهورية كينيا، وبعد تجوال طويل بين القرى المختلفة، توقفت بجوار مجموعة من الصبيان تحلقوا لقراءة القرآن الكريم بين يدي شيخهم تحت ظل شجرة، هربًا من لهيب الشمس المحرق، رأيتهم يكتبون القرآن الكريم بالفحم على ألواح خشبية بطريقة بدائية، ويرددون مقطعًا من سورة (ق) بصوت متخشّع يأسر القلوب.

ورأيتُ شيخهم يُمسك نسخة قديمة ممزقة الأوراق من كتاب "الأصول الثلاثة" باللغة السواحلية، ذكر أنه استعارها من صاحب له، فسألته عن طلابه وحرصهم على الدرس والحفظ؟ فطأطأ رأسه قليلاً، ثم تنهد بعمق.. وقال: جاءت إلينا إحدى الإرساليات الكنسية العريقة منذ أكثر من عشرين عامًا، وهاهي ذي الآن تتعاهد أبناءنا بالقصص المصورة الموجهة بلغتهم المحلية، فتشدهم بألوانها البراقة وأساليبها الجذابة، كما توزع الإنجيل والكتب والمجلات التنصيرية، وتقيم الاحتفالات والبرامج الشبابية المتعددة لاحتواء المسلمين وفتنتهم.

ثم نظر إليَّ نظرة ملؤها الأسى والعتب، وقال لي بحياء: أين المسلمون؟! حتى أنت تصافح الصبية بحرج حتى لا تتسخ يدك! ولكن دع النصارى يفعلون ما يريدون فنحن على ثقة من ديننا، حتى ولو كنا تحت شجرة ولم نجد إلا ألواح الخشب وأقلام الفحم!!

غادرت المنطقة وقد اغرورقت عيناي بالدموع، وأنا أحمد الله تعالى حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، الذي حفظ كتابه العزيز، وحفظ دينه الكريم، فعلى الرغم من الفقر والمرض والجهل، وعلى الرغم من العزلة والانقطاع، والبعد في تلك المناطق النائية والأدغال الوعرة؛ تجد هؤلاء الصبية يتحلقون لتلاوة كتاب الله تعالى بكل اطمئنان وثقة.

لقد تعلمتُ في التربية درسًا لا يُنسى.. فالبذل لهذا الدين والتضحية من أجله ليست شعارًا يُرفع أو دعوى يُتشدق بها، وإنما هي وليدة عقيدة راسخة في القلب تثمر الصدق والفاعلية.
لقد تعلمتُ في التربية درسًا لا يُنسى.. فكم من الأموال التي ننفقها في الإسراف والبذخ والتوسع في المباحات، فضلاً عن الملاهي والمحرمات..؟!
ولم أعجب من جهود المنصرين وأنا أقرأ قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)[الأنفال:36].

ولكنني عجبت أشد العجب من تقصيرنا وتفريطنا نحن المسلمين، فكتاب الله عز وجل لم نستطع إيصاله لعموم المسلمين، فضلاً عن ترجمة معانيه وتفسيره.. فضلاً عن تقريب السنة النبوية وترجمتها، وتيسير العقيدة الصحيحة المبرأة من الشركيات والبدع..!!
ما أعظمها من أمانة..!
وما أجلها من مسؤولية..!

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

خواطـر دعوية

المواساة خلق أهل المروءة

"المواساة" خلق نبيل، من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات التي دعا إليها الإسلام، وهو من أخلاق المؤمنين، وجميل...المزيد