الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بأصفيائك توزن أخلاقك

بأصفيائك توزن أخلاقك

بأصفيائك توزن أخلاقك

إن أعظم ما يعين المسلم على تحقيق التقوى ، والاستقامة على نهج الحق والهدى ، مصاحبة الأخيار ، ومصافاة الأبرار ، والبعد عن قرناء السوء ومخالطة الأشرار ؛ لأن الإنسان بحكم طبعه البشري يتأثر بصفيِّه وجليسه ، ويكتسب من أخلاق قرينه وخليله، والمرء إنما توزن أخلاقه وتعرف شمائله بإخوانه وأصفيائه ، كما قال عليه الصلاة والسلام : (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).( رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح ) .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه : " ما من شيء أدل على شيء من الصاحب على الصاحب " . ومن كلام بعض أهل الحكمة : ( يظن بالمرء ما يظن بقرينه ) .

فلا غرو ـ حينئذ ـ أن يعنى الإسلام بشأن الصحبة والمجالسة أيما عناية ، ويوليها بالغ الرعاية، حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كل فرد من أفراد الأمة إلى العناية باختيار الجلساء الصالحين واصطفاء الرفقاء المتقين، فقال عليه الصلاة والسلام: " لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي " (رواه أبو داود والترمذي بإسناد حسن ) .

كما ضرب صلى الله عليه وسلم للأمة مثل الجليس الصالح والجليس السوء بشيء محسوس وظاهر، كل يدرك أثره وعاقبته، ومقدار نفعه أو ضرره . فقد أخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة " .

قال الإمام ابن حجر تعليقا على هذا الحديث : " فيه النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما).

لذا .. فإن من الحزم والرشاد، ورجاحة العقل وحصافة الرأي ألا يجالس المرء إلا من يرى في مجالسته ومؤاخاته النفع له في أمر دينه ودنياه ، وإن خير الأصحاب لصاحبه، وأنفع الجلساء على جليسه من كان ذا بر وتقى، ومروءة ونهى، ومكارم أخلاق، ومحاسن آداب وجميل عوائد مع صفاء سريرة، ونفس أبية وهمة عالية.
وتكمل صفاته ويجل قدره حين يكون من أهل العلم والأدب والفقه والحكمة، إذ إن هذه صفات الكمَّل من الأنام الذين يأنس بهم الجليس، ويسعد بهم الصديق، لإخلاصهم في المودة، وإعانتهم على النائبة، وأمن جانبهم من كل غائلة. قال عمر بن الخطاب : عليكم بإخوان الصدق فإنهم عون لكم عند الرخاء وعدة عند البلاء .

فمن وفق لصحبة من كانت هذه صفاته وأخلاقه ، وتلك شمائله وآدابه ، فذلك عنوان سعادته ، وإمارة توفيقه ، فليستمسك بغرزه، وليعض عليه بالنواجذ، وليرع له حق الصحبة بالوفاء والصدق معه، وتوقيره وإجلاله ومؤانسته حال سروره، و مواساته حال مصيبته، وإعانته عند ضائقته، و التغاضي عن هفواته، والتغافل عن زلاته، إذ السلامة من ذلك أمر متعذر في طبع البشر، وحسب المرء فضلا أن تعد مثالبة ومعايبه .

وإن شر الأصحاب على صاحبه ، وأسوأهم على جليسه ، من ضعفت ديانته وساءت أخلاقه ، وخبثت سريرته ، ولم تحمد سيرته، من لا هم له إلا في تحقيق مآربه وأهوائه ، ونيل شهواته ورغباته ، وإن كان على حساب دينه ومروءته ، ولربما بلغ الحال في بعض هؤلاء ألا يقيم للدين وزنا .
....................
مجلة الدعوة

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة