الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تاريخ مشرق للعلوم الصيدلية في النهضة الإسلامية

تاريخ مشرق للعلوم الصيدلية في النهضة الإسلامية

تاريخ مشرق للعلوم الصيدلية في النهضة الإسلامية

ظلت المعارف الصيدلية، والأعمال الصيدلية قروناً عديدة إلى ما قبل النهضة الإسلامية، أشبه بما نراه الآن من "أعمال العطارة، وخبرات العطارين" إلى أن ظهر العلماء في عصور النهضة الإسلامية، فقاموا بالدراسات المنهجية، وأجروا التجارب العلمية، واستعملوا الأجهزة العلمية، وتوصلوا إلى الاكتشافات القائمة على البحث والتجربة، وبهذا أصبحت (الصيدلة) علماً له كل مقومات العلم: الملاحظة، والبحث، والتجربة.

النهضة الصيدلية وعلماء الصيدلة:

وفيما يلي نعرض بعض مظاهر النهضة الصيدلية، ونذكر بعض مشاهير العلماء الذين شاركوا في هذا الجانب من النهضة الإسلامية:

أولاً :

لقد تقدم علم الكيمياء تقدماً عظيماً، وذلك نتيجة لمجهودات العالم الشهير (جابر بن حيان) الذي يعتبر من أعظم علماء العالم في جميع العصور، ولقد عرف العلماء قدره فسموا "علم الكيمياء" (علم جابر).
وكان (جابر بن حيان) أول من حضّر: حامض الكبريتيك، وحامض النيتريك، وكربونات الصودا، وكربونات البوتاسيوم، وماء الذهب. وأصبح لهذه الكيماويات أهمية عظمى في العصور الحديثة، بل تكاد تكون من أسس حضارة القرن التاسع عشر والعشرين في الكيمياء، والصيدلة، والزراعة، والصناعة.
وهو أول عالم كيميائي استعمل الموازين الحساسة في التجارب الكيميائية.

ولقد ابتدع طرقاً أفادت كثيراً في تحضير العقاقير وتنقيتها وذلك في عمليات (البلورة، والترشيح، والتقطير، والتصعيد) وغيرها من الأعمال الهامة الكيميائية والصيدلية.
وكان (جابر بن حيان) حريصاً على إبراز أهمية التجارب، واتباع المنهج التجريبي، ومن أقواله المأثورة: "إن من واجب المشتغل في الكيمياء، العمل وإجراء التجارب، وإن المعرفة لا تحصل إلا بها" وبهذا يكون (جابر بن حيان) ومن بعده (مسلمة بن أحمد المجريطي) قد سبقا علماء الغرب بعدة قرون في إخضاع العلم للتجربة، ووضع أسس "المنهج العلمي" الذي يقوم على التجربة.

وألف (جابر بن حيان) العديد من الكتب في الكيمياء والصيدلة منها كتاب (الموازين) وكتاب (سر الأسرار) وكتاب (الخواص) وكتاب (السموم ودفع مضارها) ولقد ترجمت معظم كتبه إلى اللغات الأوربية, وظلت مرجعاً في جامعات أوربا لعدة قرون.

ثانياً:

ارتقت العلوم الصيدلية والطبية والكيميائية بعد ذلك درجات أخرى على يدي العالم الشهير (أبو بكر الرازي) الذي برع في الطب والصيدلة والكيمياء، ومن مؤلفاته كتاب (المنصوري) الذي أهداه إلى المنصور أمير خراسان، والذي ترجمه إلى اللاتنية فيما بعد (جيرار الكريموني) وظلت تدرس الأجزاء الكيميائية .. منه بجامعات أوربا, حتى القران السادس عشر.

وكتاب (الحاوى) وهو موسوعة من عشرين جزءاً, يبحث في كل فروع الطب والكيمياء، وكان يدرس أيضاً في جامعات أوربا، بل إنه كان أحد الكتب التسعة التي كانت تدرس بكلية طب باريس.

وكان مؤلفه (الجدري والحصبة) دراسة علمية رائعة، وهي الدراسة الأولى التي استطاعت أن تفرق بين تشخيص هذين المرضين، وحتى تعرف قيمة الكتاب الطبية، فقد أعيد طبعه أربعين مرة باللغة الإنكليزية بين 1494، سنة1866, وهو من أوائل الكتب التي أخرجتها المطابع الأولى في العالم.
وهو الذي اخترع خيوط الجراحة المصنوعة من جلد الحيوان.
كما أنه قدم العديد المبتكر من الأدوية التي تعالج أمراض العيون، والصدر والأمعاء والمجاري البولية.

ثالثاً:

خضعت الأدوية والعلاجات لدراسات مستفيضة على أيدي علماء الأمة الإسلامية في عصور النهضة الإسلامية، وكان من أبرز العاملين في هذا الميدان الشهير (ابن سينا ) الذي يعتبر من أعظم العلماء إلى عصرنا هذا، وكتابه (القانون) من أشهر المؤلفات الطبية التي سجلها التاريخ، وظلت هذه الموسوعة مرجعاً للطب والصيدلة في كثير من بلاد العالم المتحضر، حتى أوائل القرن الثامن عشر، ولقد بدأت كتبه تترجم منذ أوئل القرن الثاني عشر، وذلك بعض دارساته أساساً لبرامج التعليم الطبي والصيدلي في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا حتى النصف الأول من القرن الثامن عشر.
وقام (ابن البيطار) وهو أكبر علماء النبات من العرب, بدراسات موسعة على النباتات الطبية, وقام بإجراء التجارب عليها.

رابعاً:

مهد علماء الأمة الإسلامية للصناعات الصيدلية ، نتيجة ماقاموا به من دراسات في (فن التجهيز الدوائي).

ووصف (أبو مروان بن زهر) "قالبا" توضع فيه المساحيق، لتخرج أقراصاً سهلة التناول، كما قام بدراسات لحفظ العقاقير فكان من أوائل الباحثين في هذا الحقل..
(وبعد) .. فهذا عرض موجز لجانب من جوانب النهضة الإسلامية التي عاشها المسلمون، لعدة قرون، وذلك عندما تأصلت العقيدة في نفوسهم , ولانت الأسباب لعزائمهم ..

فعلى أثر ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، ظهرت أمة مسلمة، تولى أمرها: سيد الرسل وخاتم الأنبياء والمرسلين (محمد) صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله, وفي أقل من 50 عاماً كانت الأمة الإسلامية من الهند وفارس شرقاً إلى المحيط الأطلسي وشمال إسبانيا غرباً, وأصبحت المدينة المنورة والكوفة ودمشق وبغداد والبصرة وسمرقند والقيروان والقاهرة وغرناطة وقرطبة وطليطلة مراكز الحضارة لهذه الأمة الإسلامية، وانضمت إلى هذه العواصم فيما بعد عواصم أخرى إسلامية: كالأستانة والقسطنطينية .

و بلغ المسلمون من المدنية والتقدم والحضارة درجة عظيمة لم يبلغها شعب من شعوب الأرض في مثل هذه الفترة القصيرة. كما امتدت حضارتهم عدة قرون وأضاءت كل أرجاء المعمورة، وكانت النهضة العلمية التي بلغتها الأمة الإسلامية الأساس الذي قامت عليه النهضة الحديثة، ولو أنصف المؤرخون لقالوا: بأن النهضة الحديثة بدأت منذ النهضة الإسلامية واستمرت في تطور متصل بحيث يجب اعتبار النهضة الإسلامية والنهضة الأوربية جزءين متصلين للنهضة الحديثة المستمرة حتى يومنا هذا.

ولهذا فإن (قضية تصحيح تاريخ العلوم) ما تزال مطروحة على الفكر الإنساني عامة، والفكر الإسلامي خاصة , ومن الواجب على رجال التاريخ الدفاع عن هذه القضية بما يتيح للحقائق التاريخية أن تظهر وتسود, وبما يتيح لتاريخ الحضارة الإسلامية أن يأخذ مكانته اللائقة بين تاريخ الحضارات..

(وختاماً) آمل أن يكون في الحديث عن الحضارة الإسلامية ما يحفز الهمم، ويشد العزائم, ويقضي على حالة اليأس والاستسلام ويدفع المسلمين جميعاً إلى العمل الجاد, الخالص لوجه الله الكريم, حتى تأخذ الأمة الإسلامية دورها في ركب الحضارة وحتى تصبح: أمة قائدة لا مقودة، ومبتكرة لا مقلدة .. والله ولي التوفيق..

( مجلة الجامعة الإسلامية رمضان 1398 هـ )

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة