كرهت دراسة الطب لصعوبته ... ماذا أفعل؟

2011-11-23 07:54:33 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عمري 18 عاما بكلية الطب، ومشكلتي أني كنتُ أحب الطبَّ في الماضي عندما كنت صغيرة، لكني الآن لا أحبها عندما دخلتها فعليا؛ لأنها صعبة، وأيضا كتبها كثيرة, وأنا لا أستطيع قراءة هذا القدر من الكتب، أو أن أحفظ، وإذا حفظتُ أنسى الذي حفظته بسرعة كبيره، لذلك لا أحرز علامات جيدة في الامتحان؛ مما عرضني للاكتئاب الشديد، وأنا الآن لا أدري هل أذهب إلى مجال آخر؟ أم ماذا أفعل؟


أفيدوني أرجوكم.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هيناتا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك في دراستك، وأن يعينك على اتخاذ القرار الصائب الموفّق الذي به تحددين مستقبل حياتك الدراسية -بإذن الله تعالى-، وأن يفتح عليك فتوح العارفين، وأن يوفقك إلى كل خير، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الكريمة الفاضلة - من أنك كنت تحبين دراسة الطب في الماضي عندما كنت صغيرة، ولكنك بعد أن دخلت الكلية شعرت بأنها صعبة، وان مقرراتها كثيرة، وأنك لا تستطيعين قراءة هذا الكم من الكتب، وإذا حاولت حفظ بعض المسائل العلمية فإنك تنسينها بسرعة كبيرة، ولذلك ترتب على ذلك عدم حصولك على علامات جيدة في الامتحان مما يعرضك للاكتئاب الشديد، وتسألين الآن: ماذا تفعلين؟

أقول لك - ابنتي الكريمة الفاضلة - إنه مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل ميسّر لما خُلق له), وقال: (إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه), وقد شاء الله تبارك وتعالى أن يجعل لكل فنٍّ أهله، ولكل علم طُلابه، ولكل صانعٍ صنعته، وكون كل إنسان يتمنى علمًا من العلوم وهو صغير لا يعني ذلك أن يكون موفّقًا فيه عندما يُصبح كبيرًا، وكون الإنسان أيضًا لا يُحب دراسة معينة وهو صغير، وعندما يكبر يرى أنها دراسة سهلة, وأنها أحب إليه من غيرها، فهذه تقلبات حقيقة تحدث في حياة الناس بصفة موسعة للغاية.

كثير منا كان يطمح وهو صغير أن يكون شيئًا معينًا، ثم يشاء الله تبارك وتعالى أن يكون شيئًا آخر تمامًا، وكثير منا أيضًا يحرص على أن يكون في نفس المجال الذي يُحبه، ولكنه ما أن ينخرط فيه إلا ويشعر بأنه ليس المجال المناسب, أو أنه ليس قادرًا على التأقلم معه, أو السير فيه، وهذا كحالتك.

فكونك الآن تشعرين بعدم رغبة في إكمال الدراسة، وكذلك أيضًا تشعرين بصعوبة في التحصيل؛ مما ترتب عليه تدني معدلاتك في الامتحانات، هذا معناه إما أنك لم تفهمي بعد كيفية التعامل مع هذه المقررات, ولم تضعي آلية معينة للمذاكرة، لاحتمال أن الساعات التي تبذلينها أقل من المطلوب؛ لأنه مما لا شك فيه أن دراسة الطب من الدراسات الكبيرة والشديدة فعلاً والصعبة، تحتاج إلى تفرغ تام، وتحتاج إلى عقل وقّاد، وإلى ذهنٍ يقظ، وتحتاج أيضًا إلى سرعة بديهة وتركيز أثناء الشرح من قِبل الأساتذة والمدرسين، إلى غير ذلك، فهي ليست دراسة عادية, ولا تقليدية، وإنما عادة كل من يدخل كليات الطب تتغير أنماط حياته تغيرًا كبيرًا بمجرد دخول هذه الكليات؛ لأن معظم وقته يقضيه في أروقة الكلية، ثم بعد ذلك أيضًا يعود متأخرًا, ويفاجئ بأن لديه كمًّا هائلاً من المراجعات الضرورية الحتمية، يحتاج إلى الاهتمام باللغة الإنجليزية بصورة أفضل؛ لأن معظم هذه الكتب أو هذه المواد مكتوبة باللغة الإنجليزية، فإذا كان ضعيفًا فإنه لا يستطيع أن يحقق أو يستوعب أشياء كثيرة، يحتاج فعلاً إلى ترتيب الحياة ترتيبا مختلفا عن حياة معظم الناس، فيحتاج إلى أن ينام في وقت معين, وأن يقوم في وقت معين، وأن يرتب لنفسه برنامجًا من أول العام؛ لأنه لو تكاسل في أول العام وترك الدراسة فقد يترتب عليه أنه بعد ذلك لا يوفّق, أو يتعرض للإخفاق, أو قد يحصل على درجات متدنية في نهاية المطاف.

ولذلك أقول -بارك الله فيك-: أتمنى أن تعيدي النظر أولاً قبل اتخاذ القرار في طريقة المذاكرة، وطريقة ترتيب الوقت وتنظيمه، وأعطي نفسك مهلة حتى لا تحكمي بسرعة على شيء, ثم بعد ذلك تندمين عليه؛ لأنك حكمت عليه حكمًا متعجلاً, أو غير مدروس بتأنٍ.

فأتمنى أن تنظري أولاً في ظروفك، هل أنت فعلاً تعطين وقتا كافيا للمذاكرة؟
وهل أنت تذاكرين بطريقة جيدة وصحيحة؟
وهل البيئة التي أنت فيها -المنزل- تعطيك الفرصة أن تقرئي بتأنٍ؟
وهل جوّ الأسرة مهيأ لدراسة الطب, أم أن الجو ليس مهيئًا؟
وهل أنت تفهمين من الدكاترة مثلاً أثناء الشرح وتتجاوبين مع المدرسين وتشعرين فعلاً بفهمه وتتفاعلين مع المادة المشروحة؟ أم أنك لا تشعرين بشيء من ذلك؟

إذا كنت تشعرين فعلاً بنوع من الإقبال على المادة أثناء الشرح, ولا تجدين صعوبة في مسألة الفهم، ولديك الفرصة أيضًا لمسألة الحوار والنقاش وغير ذلك، فأرى أن لا تتعجلي، وإنما عليك فقط أن تغيري نمط حياتك داخل الأسرة، بأن تعطي مساحة أكبر من الوقت للمذاكرة، وأن تجعلي المذاكرة بالنسبة لك عادة, وليست حسب الظروف، وأن تحاولي أن تقللي من الجانب الاجتماعي إلى أبعد حد حتى توفري وقتًا كافيًا لهذه المواد لتتم مراجعتها بصورة مطلوبة.

أرى ذلك, ولكن إن كنتِ فعلاً لا تفهمين من المدرسين أثناء الدروس، وأيضًا إذا جئت لتقرئي لا تشعرين بالاستيعاب، فأرى فعلاً أنك لست مهيأة لدراسة هذا العلم، ولعل الله تبارك وتعالى أن ينفع بك في مجال آخر، ونعم دراسة الطب دراسة شيقة ورائعة، وكلمة دكتورة كلمة رنانة، ولكن قد يكون سبق في علم الله أن تكوني متميزة في مجال آخر من مجالات العلوم التي لا تقل أهمية عن دراسة الطب، ولعلك تصبحين فيها أستاذة كبيرة، فكم من إخوة وأخوات - طلبة - تركوا مجالات معينة لم يكونوا موفقين فيها وذهبوا إلى مجالات أخرى أسهل فحققوا إنجازًا, وأصبحوا أرقامًا قياسية في عالم الاختراعات, وفي عالم التميز العلمي والتقني.

وأرى لو استحضرتِ قيمة وأهمية هذا العلم, ودراسته, والتفوق فيه, ونظرت إلى مستقبلك, مع حصولك على هذا العلم, ونبوغك فيه تصبحين دكتورة متميزة، فانظري عاقبة دراسة الطب وفضله على بقية الدراسات، فالطب - فيما أظن - فضله يتعدى فضل الشمس على أدناه من الكواكب.

وأرى أن تنظري في ظروفك، مع الاستخارة أيضًا, والاستشارة ممن حولك ونسأل الله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك أينما كنت, وأينما حللت, وأينما ذهبت, وأينما توجهت.
----------------------

ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الروابط التالية حول علاج كثرة النسيان سلوكيا: ( 269001 - 269270 )، وحول كيفية المذاكرة الصحيحة: ( 235849 - 3139 )، ووسائل التفوق: ( 230090 - 228606 - 233357 ).

هذا وبالله التوفيق.

www.islamweb.net