هل تؤدي الأدوية النفسية بالمريض إلى تقمص دور المعلم والداعية؟

2015-12-21 00:21:00 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحدث الأهم في حياتي هو البدء باستخدام لسترال، وكنت قد استشرتكم قبل عدة سنوات في استخدامه وشجعتموني على ذلك، -ولله الحمد- أصبحت أكثر انطلاقا وحريّة، إذ كنت أعاني من الرهاب الاجتماعي الحاد، وتطور الأمر إلى وسواس قهري، وبعد استخدام العلاج تغيرت 180 درجة، وما عدت ذلك الخجول المنطوي، بل المتحدث الجريء، والذي ينظر إلى الحياة من منظور مختلف.

لقد استمررت في البداية على اللسترال لمدة سنتين، وأحببت بعدها قطع العلاج، ولكن بعد قطعي للعلاج أحسست برجوع الاكتئاب، وكثرة الوساوس، بالإضافة إلى عودة الخجل والصمت المطبق، عندها قررت الرجوع إلى العلاج، والآن مضى ما يقارب الثلاث سنوات، فأصبح المجموع خمس سنوات من استخدام اللسترال، أو أقل قليلا بما يقارب حبة واحدة فقط.

الآن يا دكتور لدى سؤالان:

السؤال الأول: أنا قررت أن أستخدم اللسترال مدى الحياة، خصوصًا وأن طبيعتي الوراثية طبيعة خجولة، وهذا ما أجده لدى جميع أفراد العائلة، فهل هناك ضرر من الاستمرار على العلاج؟ وهل هذا الدواء يضاعف الحالة المرضية فيما بعد ويسبب خللا في طريقة عمل الدماغ؟

السؤال الثاني: ما الحل في هذه النوبات الدورية الّتي تأتيني على شكل عودة جزئية للاكتئاب والوسواس والخجل حتى مع تناول العلاج؟ حيث إنها تأتي في بعض الفترات وتستمر عدة أسابيع حتى يصيبني اليأس من العلاج، فأستمر في تناوله -وبحمد لله- تعود حالتي أحسن من السابق بعد مشقة وجهد.

الأمر الأخير: هو ما حدث معي قبل سنتين إذ انصرفت إلى قراءة كتب التنوير والتصوف، وحدث لي أمر غريب، حيث أشك أني دخلت في حالة نورانية، مع ارتياح عميق، وأصبحت أكثر التزامًا في الصلاة وقراءة القرآن والذكر، حتى أنني أصبحت أتقمص دور المعلم الروحي الّذي يحاول أن يخلص المحيطين به من الرغبة والجشع، والكف عن التطلب، حتى أنني فكرت بترك الدواء لمجرد أن إرادتي في التخلص من الخجل، أو الاكتئاب ليست سوى رغبة طامعة نحو المزيد، فهل الأدوية النفسية تسبب مثل هذه الحالات من التصوف؟

وشكرًا لكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك -أخِي الكريم- في الشبكة الإسلامية، وقد أعجبني سردك الجميل للتطورات العلاجية التي مررت بها، وأنا أقول لك -أخِي الفاضل-: ليس هنالك ما يمنعك أبدًا من استخدام الـ (لسترال Lustral) مرة أخرى، فهو دواء سليم وفاعل، أما استعمال الدواء مدى الحياة، فلا أحد يستطيع أن يعطي رأيًا قاطعًا في هذا الأمر أبدًا، المعلومات المتوفرة الآن تقول أن الدواء سليم، أن الدواء فاعل ولا شك في ذلك، وأعرفُ من تناولوا هذا لمدة اثنا عشر عامًا دون أن تحدث لهم أي مشاكل.

لكن - يا أخِي الكريم - لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمآلات هذه الأدوية على المدى الطويل القاطع، البشريات التي بين أيدينا واضحة، سليمة، تقول أن هذه الأدوية لا شك أنها مفيدة وفاعلة.

أنا شخصيًا لست من المدرسة التي تقول أن الإنسان يمكن أن يتناول دواءً مدى حياته، وذلك لسبب بسيط: أن الإنسان يتغيَّر، ظروفه تتغيَّر، أحواله تتغيَّر، فيزياء جسده يتغيَّر، كيمياء جسده تتغير.

فالذي أراه أن تكون الخطة العلاجية لمدة ثلاث سنوات، ويكون الإنسان تحت المتابعة، بعد ذلك إذا كانت هنالك حاجة لتناول الدواء يستمر الإنسان عليه لمدة أخرى يُقررها الطبيب، وهكذا.

أما أن نقول أن العلاج يتناوله الإنسان على الإطلاق طول حياته فهذا أمرٌ لا أعتقد أنه صائب، خاصة أن المستحدثات العلمية ربما تأتينا بما هو أفضل.

فأرجو - أخِي الكريم - أن تتبع هذا المنهج، وهو منهج مطمئن جدًّا.

الأمر الثاني - وهو مهم جدًّا - هو: أن تُقوّي وتُدعِّم دفاعاتك النفسية، وهذا فيه الإجابة على سؤالك الثاني، الدفاعات النفسية حين تنمو وتتقوّى وذلك - من خلال تطوير المهارات وبناء الشخصية وتأكيد الذات واللجوء إلى الوسائل السلوكية المختلفة - قطعًا هذا يُقلل كثيرًا من فرص الانتكاسات المرضية للاكتئاب والوساوس وكل ما شابهها.

فيا أخِي الكريم: انتقل لنمط حياة يكون أكثر فعالية وإيجابية، وهذا هو الذي حقيقة يمنعك من كل الانتكاسات -إن شاء الله تعالى-.

بالنسبة لما ذكرته في آخر رسالتك حول قراءتك، انصرفتَ لقراءة كتب التنوير والتصوف، وحدثت لك الحالة التي تحدثت عنها؟

حقيقةً لا علم لي بهذا العلم، لا بد أن أكون صادقًا معك، لكن أسمع الكثير، أسمع أن الناس قد انجذبوا لأشياء معينة، وعلمي في هذا السياق علم بسيط جدًّا، ومنهجي هو منهج أهل السنة والجماعة، ولا أستطيع حقيقةً أن أدخل في أمرٍ ليس لي علم بمحتوياته أو مآلاته أو ما يتحدث الناس عنه.

فيا أخِي الكريم: هذا الأمر حاول أن تُجالس أحد العلماء مجالسة مباشرة، هذا أفضل، أفضل كثيرًا، لتعرض عليه حالتك، لتعرض عليه وضعك، لتعرض عليه التجربة التي مررت بها، ومن خلال الأخذ والعطاء المعرفي -إن شاء الله تعالى- تجد التفسير لما حدث لك.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية:
++++++++++++++++++++

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب.

بالنسبة لكتب التصوف وما سميته (كتب التنوير) إن كان تصوفًا صحيحًا موافقًا لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو سيِّد العُبَّاد، سيِّد الزّهاد، سيِّد الذاكرين، إن كان التصوف الموافق لهذه السنة فهو حق، وهو خير، وسببٌ في تزكية النفس وتطهيرها من أدران الذنوب وأقذار المعاصي والسُّفول والتعلق بالدنيا وزخارفها، وذلك خير كثير وفضلٌ عميم يمُنَّ الله به على من يشاء من خلقه وعباده.

وهذا النوع من التصوف قد كُتبتْ فيه كُتبٌ كثيرة، ومن أحسنها وأفضلها ما كتبه الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى – في كتابه العظيم (مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين) وعموم كتب ابن القيم مفيدة ونافعة، وهي سليمة - الحمد لله تعالى – من المضلات والبدع، فنصيحتنا لك أن تُلازم قراءتها، ففيها خير كثير، وستجد فيها غَنَاًء -بإذن الله تعالى- عن قراءة غيرها من كتب، ولا نستطيع أن نحكم على كل كتب التصوف بحكمٍ عامٍ، فهي متفاوتة تفاوتًا كبيرًا، ولكن التمييز بين الحق والباطل والغث والثمين لا يُحسنه كل أحد، إذ يحتاج إلى قدر من البصيرة وبلوغ مرتبة من العلم، بهما يتميز الإنسان المبصر الهدى من الضلال والخطأ من الصواب والبدعة من السنة، وقد لا تُحسن أنت هذا العمل الشاق.

فالنصيحة المبذولة لك أن تقتصر على قراءة ما سلم من الانتقاد في هذا الباب، وهو ما ذكرناه لك، وهناك كتبٌ أخرى اعتنتْ بتهذيب إحياء علوم الدين وتقريبه لمن أراد الانتفاع بما فيه، ولكنك لو اقتصرت على ما ذكرناه لك ممَّا كتبه ابن القيم - رحمه الله تعالى – في هذا الباب ستجد فيه -بإذن الله تعالى- ما تصبو إليه.

نسأل الله تعالى أن يوفقك، وأن يأخذ بيدك إلى الخيرات.

www.islamweb.net