ما علاج التساهل المفرط في تطبيق أوامر الله تعالى؟

2023-07-12 01:01:11 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

إنني في بداية طريقي للالتزام، ولكني أواجه صعوبات، من بينها الغفلة، واستهوان العقاب، حيث أقول في بعض الأحيان: "بأن الوقت ما زال مبكرًا للالتزام"، معتقدًا أنني ما زلت شاباً، وأن الموت لن يمسني بعد، وأستطيع الالتزام في أي وقت من حياتي. وهذا اعتقاد فاسد.

ثانيًا، أنا أعلم بتحريم معايدة الأشخاص في أعياد ميلادهم ونشر الموسيقى، بسبب التشبه بالكفار، الذي نهانا عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك، أحيانًا أتساهل مراعاة مشاعر الآخرين، وبذلك أكون قد فضلت الناس على ما أمر به الله تعالى. ولا يخفى عليكم عاقبة هذا الأمر.

ومن هنا تتجلى مشكلتي الأساسية، وهي "التساهل المفرط" في الالتزام بأوامر الله تعالى، وربما يكون ذلك نابعًا من تربيتي المبكرة، حيث تعلمت مراعاة مشاعر الناس على حساب ديني ونفسي.

أطلب نصيحتكم وإرشادكم، ونسأل الله أن يهدينا جميعًا ويمنحنا التوفيق والهداية، جزاكم الله خيرًا.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ جواد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك مع الموقع، ونسأل الله تعالى أن يزيدك هدىً وصلاحًا.

وقد أصبت -أيها الحبيب- حين علمت أن تأخير التوبة بحجّة أن الإنسان لا يزال شبابًا عملٌ غير صحيح، واعتقاد غير مطابق للواقع، فكم من إنسان يموت وهو شاب، ولكنّنا ندعوك إلى تحويل هذا الاعتقاد وهذا الفهم إلى واقع عملي في حياتك، فتذكُّر الموت، وأنه قد يُباغت الإنسان فجأةً؛ هذا التذكُّر من أعظم البواعث على إحسان العمل، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُوصينا بهذا النوع من التذكُّر فيقول: (اذكروا هادم اللذَّات)، والذكر للموت إنما يكون نافعًا إذا كان باعثًا للإنسان على تصحيح حاله مع الله سبحانه وتعالى بأداء الفرائض واجتناب المحرمات، والاستزادة من الأعمال الصالحات.

وأمَّا ما ذكرتَه -أيها الحبيب- في شأن ترك إنكار بعض المنكرات مراعاة لمشاعر الآخرين؛ فهذا السلوك ليس مرفوضًا بإطلاق، وليس خطأً بإطلاق، ولكن بيان هذا يحتاج إلى فقه وتأمُّل ورويَّة، فإن الإنكار للمنكرات المقصود به إزالة المنكرات ليحلَّ محلها المعروف، وإزالة الشرور ليحلَّ محلها الخير، والقضاء على الفساد ليقوم مقامه الصلاح، فمراعاة المصالح والمفاسد في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلٌ شرعيٌ عظيم، ولذلك يجعل العلماء تغيير المنكر على مراتب:

- فإن كان يعلم أن المنكر سيزول ويحل محله المعروف؛ فهذا إنكاره واجب.
- أمَّا إذا كان المنكر سيزول ليحل محلّه منكر أعظم منه؛ فهذا الإنكار غير جائز؛ لأنه لا تتحقق به مصلحة شرعية، بل تزيد المفسدة.
- أمَّا إذا كان المنكر سيزول ليحلّ محله منكر مساوٍ له؛ فالإنسان بالخيار، بين أن ينهى عن المنكر وبين أن يسكت.

من هذا التقسيم يظهر لك -أيها الولد الحبيب- أن الإنكار للمنكرات يخضع لقواعد المصالح والمفاسد التي تُقرّرُها الشريعة الإسلامية، فقد يكون أحيانًا من المصلحة الشرعية أن يسكت الإنسان عن إنكار المنكر، حتى لا تقع مفسدةً أعظم من هذا المنكر الذي يُريد أن يُنكره، وهذا يحتاج إلى فقهٍ في الشريعة ومعرفة قواعدها.

فإذا كان الإنسان يترك الإنكار عملاً بهذه القواعد فهذا لا يُقال عنه بأنه يُقدّم رضا الناس على رضا الله سبحانه وتعالى، بل هو يسعى جاهدًا في تحقيق مقصود شرع الله سبحانه وتعالى، وتحقيق مراد الله تعالى.

أمَّا إذا كان ترك الإنكار فقط لمجرد إرضاء الناس فهذا خلل بلا شك، وقد روى الترمذي وغيره عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من أرضى الناس بسخط الله وَكَلَه الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس)، وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع وفي غير ذلك من كتبه.

فينبغي للإنسان المؤمن أن يُعوّد نفسه تقديم رضى الله سبحانه وتعالى، وأن يعتني بتحصيل هذا المقصود العظيم. وفي الوقت نفسه يحرص على تحقيق مقصود الشرع من وراء إنكار المنكرات، وفق القواعد التي ذكرناها سابقًا.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير، وخير ما نوصيك به: التعلُّم والتفقُّه في دينك؛ حتى تمارس وظيفة تعليم الناس دينهم والإنكار عليهم، وحتى تمارس ذلك على بصيرة من ربّك، وتكون محقِّقًا لما يُحبُّه الله تعالى منك.

وفقك الله لكل خير.

www.islamweb.net