الإحباط الناتج عن الانشغال بالزواج عن الدراسة

2008-05-29 04:48:41 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.
أرجو بإذن الله أن أشفى من هذا المرض الخبيث بفضل النصائح التي ستعطيها لي والتي سأتبعها بالحرف، مشكلتي قلبت كياني حتى أصبحت معقدة نفسياً.

تعرفت علي زوجي وأنا بالجامعة فأحبني كثيراً؛ لأنني فتاة ملتزمة، خطبني من أهلي بعدها أصبح يأتي لمقابلتي، وأنا لم أتردد، تدهورت دراستي فأصبحت كل عام أعاود السنة، في السنة الأخيرة رسبت، فجاء وقال: إذن لن نتزوج هذا العام فسأتركك لأنني انتظرت كثيراً ثم تزوجنا وأنجبنا أولاد، وهو ما زال يحبني فهو شخص رائع فريد من نوعه، ولكن أصبحت تأتيني أحلام جننتني تخص الدراسة، مثلاً أدخل للقسم ولن أكمل الامتحان أو يأخذها الريح

فأصبحت دائماً أبكي في المنام وزوجي يواسيني علماً أنه صيدلي وكان متفوقاً جداً، وكل يوم تأتيني حالة إحباط خاصة عندما ألتقي بأخواته، فكلهن دراسات عليا، وهن يحسبن أنني أكملت دراستي، ماذا أفعل؟ سأجن.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Manel حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هذا الشعور بالإحباط واضطرابات النوم والأحلام المزعجة هي ناتجة عن قلق نفسي بسيط؛ لأنه حدث لك ما يعرف بـ (عدم القدرة على التكيف)، فأنت لم تستطيعي إكمال الدراسة بالرغم من أن البديل الذي طرأ عليك وهو الزواج يعتبر بديلاً إيجابياً ورائعاً، ولكنك لم تتفكري في ذلك كثيراً.

الذي أنصحك به هو أن تتذكري دائماً الإيجابيات الموجودة في حياتك، فأنت لديك الزوج الرائع، ولديك الحمد لله الذرية الطيبة، ولديك صحتك وبيتك السعيد، فهذه يجب أن تتذكري أنها أمور إيجابية يفتقدها الكثير من الناس.

بعد ذلك يأتي الأمر السلبي وهو التأخر في الدراسة وعدم التخرج، فهذا – أختي الكريمة – إن شاء الله يمكنك السعي له الآن، السعي بإيجابية وبفعالية، فأنت أكملت المرحلة الأولى وهي الزواج والإنجاب فهذه أيضاً مرحلة إيجابية جدّاً، وأما ما تبقى من الدراسة فعليك أن تشرعي في ذلك، وأن تضعي الخطط والآليات التي توصلك لإكمال الدراسة والتخرج بشرط ألا يتعارض ذلك بالطبع مع واجباتك المنزلية وتربية أولادك.

مثل هذه الحالات تحتاج أيضاً لعلاج دوائي بسيط، فهنالك أدوية تقلل أو تزيل تماماً هذا النوع من المخاوف وهذا النوع من الأحلام المزعجة التي كما ذكرت لك مرتبطة بعدم الراحة النفسية، فهنالك دواء جيد جدّاً يعرف باسم (زيروكسات) ويسمى في الجزائر بـ (ديروكسات)، فأرجو أن تبدئي في تناوله نصف حبة – عشرة مليجرام – ليلاً، وبعد أسبوعين ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة – عشرين مليجرام –، واستمري عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضي الجرعة – نصف حبة - ليلاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، وهذه هي الجرعة الوقائية.

هذا الدواء دواء سليم، وأنا على ثقة كاملة أنه سوف يزيل هذا الشعور بالإحباط والتوتر والقلق، وسوف يساعد أيضاً في تحسين النوم، ومن أجل أن تكتمل صحتك النومية أرجو ألا تنامي في أثناء النهار إلا أنه لا مانع من القيلولة الشرعية والتي هي في حدود نصف ساعة إلى خمس وأربعين دقيقة، وحاولي أن تمارسي أي نوع من الرياضة يكون متاحاً للمرأة المسلمة، وعليك أيضاً أن تتجنبي شرب الشاي والقهوة بعد الساعة السادسة مساءً، وحاولي أيضاً أن تثبتي وقت النوم ليلاً فهذا يساعد في تحسين النوم، وبالطبع لابد أن تكوني حريصة دائماً على الأذكار، كما أنصحك ألا تتناولي أطعمة فيها الدهنيات أو دسمة قبل النوم، وحاولي دائماً أن تتناولي طعام العشاء في وقت مبكر وتكون الوجبات من النوع الخفيف؛ لأن من أكبر أسباب الأحلام المزعجة هو تناول الأطعمة الدسمة في وقت متأخر من الليل.

هذا هو الذي أود أن أقوله، ونصيحتي لك هي دائماً تذكري الإيجابيات الموجودة في حياتك وهي كثيرة جدّاً، فالتركيز على الإيجابيات سوف يقلل من المشاعر السلبية البسيطة التي تنتابك، ولا شك أن وجودك في أسرة فيها المتميزين والمتعلمين يجب أن يكون دافعاً لك في أن تكملي تعليمك وفي ذات الوقت التمتع بالمهارات الاجتماعية – وأنت لديك ذلك – يكمل الإنسان في نظر الآخرين حتى وإن لم يتحصل على المؤهل الدراسي الذي يود الحصول عليه.
أسأل الله لك التوفيق والصحة والعافية.
د محمد عبد العليم
____________________________________
ولمزيد من الفائدة فقد تم تحويل سؤالك على المستشار الشرعي الشيخ/ موافي عزب فأجاب بالآتي:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل جلاله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يبارك لك في زوجك وأولادك، وأن يزيدك التزاماً وصلاحاً وتقىً، وأن يصرف عنك هذه الوساوس، وأن يرزقك الرضا بقضائه وقدره، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنك تعلمين أن الله جل جلاله سبحانه حكم عدل رحمن رحيم لا يظلم أحداً من خلقه، وتعلمين أيضاً أن الحياة التي نحن فيها ليس فيها كمال وإنما الكمال لله وحده، وطبيعة الحياة أنها لابد أن تختلف عن الجنة، فإن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لا توجد فيها أي حاجيات مطلقاً (( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ))[ق:35]^، أما طبيعة هذه الحياة - أختي الكريمة - فإن العبد إذا أخذ كل شيء بالتمام والكمال أصبحت الجنة لا فائدة لها، ولذلك شاء الله تبارك وتعالى أن يركب فينا الفقر كفطرة فطرنا عليها (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ))[فاطر:15]^، والفقر هنا - أختي الكريمة - ليس معناه الفقر المادي وإنما العوز والحاجة، فهذا يحتاج إلى ولد لأنه لم يُرزق بولد، وهذا يحتاج إلى الصحة لأنه مريض، وهذا يحتاج إلى المال لأنه فقير، وهذا يحتاج إلى الجمال لأنه دميم، وهذا يحتاج إلى الزوجة لأنه يحتاج زوجة، وهذه تحتاج إلى الزوج لأنها تكمل حياتها من خلاله، وهكذا لا يوجد أحد أبداً كاملاً من جميع الجوانب - أختي الكريمة – أبداً، وإنما يعطى الإنسان في جوانب ويحرم من جوانب أخرى، قد تكون إنسانة قد وصلت إلى درجة الدكتوراه ولكنها لم تتزوج ولم يتقدم لها أحد، شغلت بدراستها عن الزواج حتى فاتها قطار الزواج فأصبحت تتمنى لو أنها تزوجت ولم تكمل الدراسات العليا مثلاً، وقد تكون امرأة أيضاً وصلت للدكتوراه ولكنها لم تتزوج لأنها ليست جميلة فلا يُقبل الخطاب عليها أو لأنها فقيرة فلن يفكر الخطاب بالزواج منها، وقد تكون بعض الأخوات عندها مرض حال بينها وبين الزواج.

إذن لا يوجد أحد - أختي الكريمة – أبداً أخذ كل شيء في هذه الحياة، يستحيل - بارك الله فيك – أن نجد إنسان أخذ كما يأخذ في الجنة، وإنما هذه نسبة وتناسب.
فأنت الآن - بارك الله فيك – أرى أن عندك كثيراً من الإنجازات الرائعة، وكثيراً من نعم الله تبارك وتعالى، فأولاً أنت امرأة ملتزمة – وهذه نعمة عظيمة جدّاً – محروم منها السواد الأعظم من الناس، امرأة ملتزمة وفي الجزائر فهذه نعمة من نعم الله تعالى أن الله منَّ عليك بطاعته ورضاه، ووالله هذه من أعظم النعم التي تتضاءل أمامها كل النعم الأخرى.
ثانياً: أن الله تبارك وتعالى منَّ عليك بزوج رائع وفريد من نوعه ويحبك، أليست هذه نعم عظيمة - أختي الكريمة –؟ فقد تكوني أنت الآن تحملي الدكتوراه، ولكن تعاملين – أجلك الله – كأنك حيوان – أكرمك الله – أو تعاملين معاملة وضيعة أو حقيرة في بيتك، لكن زوجك محبٌ لك ورائع وفريد من نوعه، هذه نعم عظيمة أيضاً.
وقد تكوني - بارك الله فيك – ملتزمة وجميلة وزوجك رائع وفريد، ولكن ليس عندك أولاد فتشعري بالنقص وتشعري بالحاجة في البحث عن أولاد، وتقولي يا ليتني تزوجت غيره حتى أُرزق بأولاد.

أما أنت أيضاً فقد أكرمك الله تبارك وتعالى بإنجاب ثلاثة أولاد – نسأل الله عز وجل أن يبارك فيهم – هذه نعم عظيمة جدّاً، هذه نعم رائعة، فلقد أكرمك الله عز وجل وحباك بنعم من أجل النعم – ولله الحمد على فضله وامتنانه – (( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ))[الكهف:46]^، لقد أعطاك الله زينة الحياة الدنيا، أعطاك كل عوامل الاستقرار، أهم شيء الالتزام والزوج الرائع، هذه أعظم عوامل الاستقرار، ثم جاء الأولاد فتوَّجوا هذه الحياة بتاج من ذهب؛ لأن الأولاد نعمة من أجل نعم الله تبارك وتعالى، ولذلك سماهم الله هبة وعطية (( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ))[الشورى:49]^.

فأنا أرى أن المشكلة عندك أن هذه الجوانب المضيئة يحرص الشيطان على أن يجعلها بعيدة عن ذاكرتك تماماً، ويركز عليك في النقطة السلبية، وهي عدم إكمال دراستك، وهذا هو الذي ينغص عليك حياتك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا قاعدة رائعة جدّاً، قال: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)، والله لو أنك رضيت بهذا الوضع الذي أنت عليه لذهبت عنك هذه الوساوس تماماً، ولكن المشكلة أنك أنت لم ترضي، والمشكلة أنك في حالة تأنيب ضمير وعدم راحة لأنك تريدين الكمال كله، وهذا صعب جدّاً أن يتحقق في هذه الحياة، وأنا لا أقول مستحيلاً ولكنه صعب أيضاً، خاصة وأنك امرأة يبدو أنك ناجحة في بيتك، وهذا النجاح ترتب عليه استقرارك الأسري، وترتب عليه وجود الأولاد الطيبين هؤلاء، وهذا طبعاً أخذك عن الدراسة وانشغالك بزوجك أولاً أخذك عن الدراسة، فأنت ضحيت بشيء على حساب شيء، وأنا أعتبر أن قرارك الزواج قرار رائع وقرار ناجح؛ لأنه كان من الممكن أن تواصلي رحلة الدراسة وتحرمين من هذا الزوج الرائع الفريد من نوعه، ولكن والله أنا أعتقد أن الله وفقك توفيقاً كبيراً عندما فضلت الزواج على استمرار الدراسة، وثانياً أن قضية الدراسة أمر ليس صعباً وليس مستحيلاً بالمعنى، وإنما ممكن مع شيء من الترتيب، فلو رتبت وقتك وأخذت بالأسباب وأكثرت من الدعاء فأنا واثق من أنك ستوفقين - بإذن الله عز وجل – فقط المسألة تحتاج إلى نوع من ترتيب أولوياتك، تعطي الزوج حقه، وتعطي الأولاد حقهم، والأوقات الفارغة عندك تستطيعين أن تستثمريها في الدراسة، وهذا وارد جدّاً ليس بصعب ولا بمستحيل، وأنا أقول للمرأة التي حققت هذه الإنجازات قادرة - بإذن الله عز وجل – أن تصل إلى أعلى درجة تعليمية مع وجود هذه الحالة، لأني أعرف أُناساً أقل منك في العطاء ورغم ذلك أيضاً كانت لديهنَّ رغبة قوية وشديدة في مواصلة التعليم وفي النهاية هن الآن أستاذات في الجامعات، أعرف امرأة هنا في بلدتنا هذه كانت أمية لا تقرأ ولا تكتب وأصبحت الآن تحمل فعلاً بكالوريوس وتحضر الماجستير، كانت أمِّية وتعمل وتُنفق على أولادها لأن زوجها مات وترك لها ستةً من الأولاد، فكانت تعمل في عمل مرهق، من الساعة السابعة صباحاً إلى الرابعة مساءً، ورغم ذلك كانت تقوم بخدمة أولادها والتعليم، وفي نهاية الأمر أكرمها الله تعالى لأنها كانت ترتب وقتها، كانت تخرج من عملها إلى الجامعة مباشرة، لأنها كانت في الليل عندما تعود تصنع الطعام لأولادها وتغسل الثياب ليلاً وترتب كل شيء لأولادها، والأولاد لما كبروا بدؤوا يحملون عنها بعض العنت.

ولذلك أقول ليس مستحيلاً، ولكن عليك - بارك الله فيك – بترتيب أولوياتك، ثم عليك بالدعاء وأوصيك بكثرة الصلاة على النبي - عليه الصلاة والسلام –، وبإذن الله تعالى أنا واثق بأنك ستكونين رائعة وتكمِّلين هذه الدراسة، حتى وإن لم تكمّليها يجب أن تعلمي أنك رائعة أيضاً وأن إنجازاتك إنجازات يتمناها الملايين من النساء بما أكرمك الله تبارك وتعالى به.
ثانياً: قضية هذا المرض الخبيث لا يجوز شرعاً أن نطلق على المرض بأنه مرض خبيث؛ لأن المرض هذا جند من جنود الله تبارك وتعالى (( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ))[المدثر:31]^، مَنْ أدراك لعل هذا أخف من غيره بكثير، أهذا السرطان – عافانا الله وإياك – أم مرض الإيدز – عافانا الله وإياك -.

إذن احمدي الله تبارك وتعالى على هذه النعم، وهذا المرض الذي جاءك رحمة من الله تعالى لأنه أخف من غيره، وهو أيضاً بفضل الله تعالى له علاج، لو أخذت بالأسباب – كما ذكر أخي الدكتور المستشار النفسي – سوف تتحسنين جدّاً، وسوف تنامين، وتسعدين بنومك، وتسعدين بنهارك وبيقظتك، وتسعدين بزوجك وأولادك، ولكن رتبي أوقاتك وأولوياتك وواصلي الدراسة وستصلين - بإذن الله عز وجل – إلى مستوى مرموق.
أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، إنه جوادٌ كريم.
هذا وبالله التوفيق.

www.islamweb.net