دين الزوجة قبل جمالها

2008-12-25 08:04:21 | إسلام ويب

السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم.
جزاكم الله خيراً على هذا الموقع، واستفساري هو كيف أختار الفتاة المناسبة للزواج؟ فأنا أبحث عن فتاة حالياً بمساعدة أمي وقريباتي، وهم يبحثون عن الفتاة المناسبة لي حسب مواصفاتي، حيث أريدها فاتحة البشرة، ومعقولة الطول، ومقبولة الشكل، وليس من الضروري أن تكون فائقة الجمال، وفي نفس الوقت أريدها محافظة وملتزمة نوعاً ما، وأنا لا أريد التنازل عن أي من الشروط التي ذكرتها.

فهل أنا مخطئ في ذلك؟ وأنا أعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا باختيار ذات الدين وأنا أريد ذلك لكن في حدود شروطي، وأخاف أن لا أوفق في اختيارها إذا كنت لا أتنازل عن هذه الشروط، وفرضا إذا تزوجت فتاة لست مقتنعا بها تماماً سواء من حيث اللون أو الجمال وكانت ملتزمة وصالحة فهل سأكون سعيداً معها؟ علماً أننا نعيش في زمان تكثر فيه الفتن في الشوارع والتلفاز، وإذا لم تكن زوجتي لديها جمال مقبول بالنسبة لي حتى لو لم تكن بقدر جمال من يظهرون بالتلفاز أخاف أن أفتن عندما أرى فتاة جميلة وزوجتي ليست جميلة حتى ولو كان ذلك على سبيل المصادفة، فأنا مؤكد أني لن أخون زوجتي، فليس من طبعي الخيانة، لكن أقصد أني من الممكن أن أندم وأقول لنفسي: لماذا لم أختر أجمل منها وقد حصل لي موقف قبل فترة حيث أني ذهبت لرؤية فتاة وصفتها لي أمي وزوجة عمي وكانت الفتاة من أسرة طيبة ومتأكدين من أخلاقها حيث كانت من حاضري الدروس الدينية فلم أقتنع بشكلها، ليس لأنها ليست جميلة ولكن لوجود عيب بسيط في آخر وجهها لم أتقبله ولم يذكر لي ذلك العيب قبل رؤيتها، وربما يكون ذلك العيب مقبول لناس آخرين لكن أنا لم أتقبله مع أن بقية الوجه جميل، والآن بعد ما رفضت أنا خائف أن أكون قد ظلمت الفتاة وأن ربي سيعاقبني بعدم توفيقي باختيار الزوجة الصالحة لأني رفضت لهذا السبب فقط، ولكن أنا والله قد ارتحت كثيراً للفتاة عندما تكلمت معها أثناء النظرة الشرعية، لكني رفضت لأني كنت خائفاً أن أظلمها في المستقبل إذا لم أكن مقتنعاً تماماً بشكلها.

فوالله لقد حزنت كثيراً عليها لأني رأيت على وجهها السرور عندما كنت أكلمها وكانت خجولة ومتوترة مما يدل على حسن أخلاقها، ولكن ماذا أفعل؟ لقد كنت مضطرا خوفاً من نفسي عليها؛ لأن فتاة بهذا الخلق تستحق من يتزوجها على اقتناع تام ورضا بكل ما فيها وليس لديه أي ملاحظات عليها، وربما من لا يعتبر أن ما في وجهها عيبا حيث أنه وراثة في عائلتها وربما تريدون مني أن أذكر هذا العيب ( فالعيب هو أن فكها السفلي منقسم إلى قسمين صغيرين) وهذا من خلقة الله وليس أثر حادث.

فأجيبوني ـ جزاكم الله خيراً ـ هل كنت مخطئا في نظرتي؟ فأنا أحس والله بتأنيب الضمير.

فقد قال لي أبي أن هذا العيب سينسى مع العشرة، لكن أنا لا أضمن نفسي.
وشكراً.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصعب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يمنَّ عليك بزوجة صالحة طيبة مباركة تعينك على غض بصرك وتحصين فرجك، وتعينك على أمر دينك ودنياك.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فإن الشروط التي ذكرتها ليست حقيقة بشروط تعجيزية، وهي شروط مقبولة وليس فيها من حرج شرعي؛ لأن هذه الشروط من كونها فاتحة البشرة – أي بيضاء نوعاً ما – معقولة في الطول مقبولة في الشكل متوسطة الجمال محافظة على دينها ملتزمة بشرع الله تعالى، فأنا أرى أن هذه الشروط كلها شروط شرعية وليس فيها من حرج - بإذن الله تعالى – لأن هناك بعض الشباب فعلاً من يضع شروطاً تعجيزية ولذلك تمر عليه السنون ولا يصل إلى ما يريد؛ لأن الله - تبارك وتعالى جل جلاله – قسم أرزاقه في خلقه ولم يجعل واحداً يجمع الأرزاق كلها، وإنما كما لو نظرت إلى أصابعك في يدك كف واحد به خمسة أصابع كل أصبع تختلف عن الأخرى تماماً كما لو كان كل أصبع في يد مستقلة.

هذا يدلك على أن هذا الاختلاف في هذا العضو هو نفس الاختلاف الواقع في الحياة، فقد تكون المرأة فائقة الجمال ولكن لا دين لها، قد تكون فائقة الجمال ولكنها ليست طويلة، قد تكون طويلة ولكنها متوسطة الجمال، قد تكون طويلة ولكنها سمرة البشرة.. هذا أمر موجود.

أما الذي ذكرتها من هذه الأمور التي ذكرتها من خلال اطلاعي على رسالتك وجدتها متوسطة وهي ليست تعجيزية، ومن حقك أن تصبر وأن تواصل البحث حتى تصل إليها، لأنك جمعت ما بين الدين والدنيا، وأنا معك حقيقة بأن الإنسان ينبغي عليه أن يتزوج امرأة يكون على قناعة تامة بصلاحيتها له وأنها تناسبه وتصلح أن تكون زوجة له، لأننا من خلال الاستشارات نرى أن الإنسان قد يتغاضى عن بعض الشروط ولكن هذا التغاضي يدفع ثمنه بعد قيام الحياة الزوجية، فمنذ أيام كانت هناك استشارة على أن رجل غض الطرف عن الجمال بالنسبة للمرأة وراع فقط جانب الدين فيها وكان حريصاً على ذلك لأنها حافظة للقرآن، ولكن ترتب على ذلك بعد ثلاث سنوات أنه ظل يقاوم هذه الرغبة مما جعله يفكر في طلاقها الآن رغم أنها لم تسئ إليه، لماذا؟ لأنه بدا له أنه غير مقتنع بها وأنه تعجل.

ولذلك أنا أقول لك: رجاءً ألا تتعجل وأن تصبر وأن تواصل البحث؛ لأن شروطك ليست شروطاً تعجيزية وإنما هي شروط وسط، وهي لا تتعارض مع شرع الله تعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (تُنكح المرأة لأربع) بيَّن أن هذه هي الدوافع التي تُنكح المرأة بسببها، فمن الناس من يبحث عن المال، ومنهم من يبحث عن الجمال، ومنهم من يبحث عن الحسب، ومنهم من يبحث عن الدين، والنبي عليه الصلاة والسلام أوصى بأن تكون المرأة صاحبة دين؛ لأن الدين هو الأبقى وهو الأدوم وهو الأقدر على إسعاد الحياة الزوجية وعلى قيام المرأة بأداء رسالتها كزوجة، ولكن هذا لا ينفي أن يكون مع الدين جمال ولا يمنع أن يكون مع الدين حسب؛ لأن هذا كله أساساً لا يضر، بل إذا وجدت هذه المواصفات فنعم المرأة تلك، يعني إذا كانت امرأة جميلة وإذا كانت امرأة معقولة الطول وإذا كانت من أسرة محترمة وصاحبة دين فقطعاً هذا شيء رائع، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ما رزق المؤمن بعد التقوى خير من زوجة صالحة)، وكلمة صالحة هنا لا يلزم أن تكون صالحة في الدين فقط، والدليل على ذلك قوله: (إذا نظر إليها سرته)، فمعنى ذلك أنها تكون أيضاً مقبولة الشكل، أن تكون على قدر من الجمال حتى إذا نظر إليها شرح صدره لها؛ لأن بعض الزوجات قد تكون المرأة فيها دين ولكن قد يغيب عنها قدر من الجمال كبير، هذه لها من يقبلها، نحن لا نقول بأن هناك شيء ولكن كل سلعة لها من يبحث عنها، وكما قالوا: (لولا اختلاف الأنظار كسدت – أو لبارت – السلع) فالذي لا يعجبك يعجب غيرك والذي لا يروق لك يروق لغيرك، والذي لا يروق لغيرك يروق لك.

ولذلك الناس الآن في واقع الحياة هذه البضاعات المعروضة في كل محلات التجارة أنت تترك سلعة غيرك يبحث عنها، أنت تبحث عن سلعة غيرك يزهد فيها، كذلك نفس النظام، فهناك من الرجال من يريد امرأة مثلاً سمراء، وهناك من يريد امرأة طويلة، وهناك من يريد امرأة جميلة، وهناك من يريد امرأة صاحبة دين بصرف النظر عن شيء آخر... هذا كله موجود، ولذلك أنت من حقك – بارك الله فيك – أن تبحث عما يتناسب معك حتى لا تضطر أن تنظر إلى ما حرم الله ولا تضطر أن تقع فيما يغضب الله تعالى ولا تضطر أن تطلق امرأتك خاصة بعد أن ترزق منها بمجموعة أولاد وتشعر بأنها غير مريحة لك؛ لأن هذا الكلام سيعود سلباً حقيقة على المجتمع المسلم مستقبلاً، ووجود المطلقات قنابل موقوتة في المجتمع خاصة وأننا الآن نجد عزوف الرجال عن زواج المطلقة أشد وأكثر مما كان عليه من قبل.

فالمرأة كانت قديماً إذا طُلقت ما أن تنتهي العدة حتى يتقدم لها عشرات الخطاب، الآن المرأة المطلقة كأنها – والعياذ بالله – ابتليت بجريمة كبرى يزهد الناس فيها، بل من الناس من يتشاءم بوجودها في بيته أو بزيارته لها.

فنحن نريد استقراراً، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام شرع الخطبة من أجل النظر، أنت تنظر وتنظر وتتأكد، فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما جاءه صحابي وأخبره أنه قد خطب امرأة من الأنصار فقال: (هل نظرت إليها؟ فقال: لا. فقال: انظر إليها فإنه أحرى أن يُؤدم بينكما)، وقال أيضاً لبعض الصحابة: (فإن في أعين الأنصار شيئاً)، هذا الحول قد يكون عيباً كبيراً ولكنه قد يكون عيباً عند بعض الناس، فالنبي أمره عليه الصلاة والسلام أن ينظر؛ لأن هذا الحول كالعيب الذي ذكرته في الأخت التي رأيتها أنت، هذا قد يكون عيباً بالنسبة لك، ولكنه ليس عيباً بالنسبة لغيرك، ولذلك كونك أنك تشعر بتأنيب الضمير فهذا – جزاك الله خيراً – عليه ولكن ليس مطلوباً؛ لأن الخطبة هي معناها أنني أرى، معناها أنني أتكلم، وقد يكون هناك قبول أو رفض؛ لأن الخطبة ليست نكاحاً وليست زواجاً، وإنما الخطبة رؤيا فقط تجيز لك شرعاً أن تنظر إلى امرأة معينة لتخطبها، وهذه هي الحالة الوحيدة التي أجاز لك الشرع أن تنظر فيها للمرأة نظرة تفحص إلا في المجالات الأخرى، فإن الشرع حرم النظر إلا لحاجة، وهذه من الحاجات التي أباح الله الشارع أن تنظر حتى تتأكد؛ لأن الحياة الزوجية قد تستمر أربعين عاماً أو لخمسين عاماً أو لثلاثين عاماً، فإذا لم يكن هناك نوع من الرضا من الطرفين والانسجام فإن الحياة ستكون غير مستقرة ويكون فيها كثير من المشاكل والعقبات.

ولذلك موقفك مع هذه الأخت عادي جدّاً في رفضك لها لأن هذه إنما جعلت الخطبة من أجل النظر، وأنت قد نظرت فلم ترى فيها ما يدعوك إلى نكاحها، فأنت لم تظلمها في شيء، وهذا أمر طبيعي جدّاً، وإن كنت أفضل حقيقة إذا أمكن النظر من خارج البيت لكان ذلك أفضل؛ لأن بعض السلف - رضي الله تعالى عنهم – كانوا يتلصصون للمرأة، يعني يقف في مكان بعيد من بيتها، بعضهم كان يصعد على أعلى النخل لينظر إليها وهي تمشي على الأرض مثلاُ في داخل حيِّها مثلاً أو في زرعها، حتى ينظر إليها النظرة التي تدعوه إلى نكاحها، فإذا أتيحت الفرصة لذلك خارج المنزل فذلك حسن، وإذا لم تتح فالذي فعلته شيء طبيعي جدًّ، أنت دخلت من الباب الشرعي ونظرت إليها بطريقة شرعية وتكلمت معها، ثم لم ترى فيها القبول فغيرك يقبلها - إن شاء الله تعالى -، وهذه قسمة؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل الزواج قسمة كالأرزاق، كما جعل الأموال أرزاق والجمال أرزاق والصحة أرزاق، فكذلك أيضاً كل رجل له حظه من النساء، فهو مدرك ذلك لا محالة، وكل امرأة لها حظها من الرجال فهي مدركة ذلك لا محالة، أنت لك امرأة في علم الله تعالى، وصدقني سوف تكون لك مهما حاولت، ولكن أنت مطالب بأن تبحث عن المرأة التي تتناسب مع رغباتك، ما دامت رغبات شرعية معقولة.

ولذلك أقول: لا تتعجل، واصل البحث، واستعن أيضاً بأهلك وأقاربك في البحث، حتى تصل - إن شاء الله تعالى – إلى بغيتك، وأنا كما ذكرت لك شروطك شروط طبيعية فأرجو ألا تنزعج منها، وأرجو أيضاً أن يساعدك أهلك على تحقيقها؛ لأنه ثبت فعلاً بأن القناعة بالزوجة قناعة كاملة يترتب عليها استقرار أسري كامل ويترتب عليه قدرة على الإنجاز والسعادة الأسرية وأن يشعر الإنسان بالأمن والأمان ولا يشعر بحاجته إلى أن يكمل شيء ناقص في بيته، وبذلك ينصرف في حياته جاداً موفقاً - بإذن الله تعالى -.

أما عن الأخت هذه فكما ذكرت ما حدث هذا شيء طبيعي، وينبغي أن تعلمه أنت وأن تعلمه هي من أن الخطبة ليس معناها زواج، وإنما هذه رؤية قد يتحقق عليها زواج وقد لا يتحقق، وهذه كلها أقدار الله تعالى ولا يقع في ملك الله إلا ما أراد الله.

أسأل الله لك التوفيق والسداد وأن يمنَّ عليك بزوجة صالحة تكون عوناً لك على طاعته ورضاه، وأن يكرمك بذرية طيبة مباركة وتؤسس لنا لبنة في صرح الإسلام العظيم.

هذا وبالله التوفيق.

www.islamweb.net