الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضوابط الضرورة المبيحة للمحظور

السؤال

ما حكم مخالفة أمر الوالد بالنسبة لدخول جامعة مختلطة . فأبي يريد مني - وهو غير مصرّ إصرارًا ملحًّا ولكن ينصحني بشدّة - أن أدخل جامعة مختلطة لأدرس موضوعًا علميًا . وأنا أرفض هذا الطلب لثلاثة أمور :
أ. بسبب الاختلاط في الجامعة مع العلم أنّني أعيش في فلسطين المحتلّة وانا من العرب الحاصلين على الجنسية اليهودية ( مع الأسف ) أي ما يعرفون بعرب 48 وكل الجامعات هنا هي جامعات لليهود ونجد فيها من الاختلاط والسفور والتكشّف والتعرّي ما لا يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى . وأنا بصراحة لا أطيق رؤية اليهود أبدًا .
ب. أنّ دخولي الجامعة ليس بضرورة ملحّة ، فكثير من الشباب يتذرعون بدخولهم هذه الجامعات المختلطة بأن ( الضرورات تبيح المحظورات ) وخصوصًا أنه ليس هنالك جامعات عربية أو إسلاميّة هنا، ويقولون بأنه إذا لم نتعلم في هذه الجامعات اليهودية المختلطة من أين سيكون للعرب منّا أطباء ومثل هذه الحجج الواهية المتماوتة. أرجو منكم أن تردّوا في الفتوى وتوضّحوا معنى هذه القاعدة العظيمة بأنّ الضرورات تبيح المحظورات ولا تدعوها هكذا قاعدة عامّة يأخذها كل إنسان لما يوافق هواه.
أنا أريد طلب العلم الشرعي وهذا الأمر في قرارة نفسي صراحة وأريد السفر من هذه البلاد والذهاب إلى العلماء ، ولكن أبي ينصحني أن أتعلّم موضوعًا عاديًا يعني غير العلوم الشرعية مثل الفيزياء أو الهندسة أو مثل هذه الأمور ومن ثمّ أتوجّه إلى العلم الشرعي . ولكن أنا أرى أن العلم الشرعي يحتاج إلى التفرّغ وإلى الصبر والمصابرة والزمان الكثير حتى يصبح الرجل عالما ربانيا يتقي الله . وخصوصًا أننا هنا في فلسطين المحتلة نعاني وبشدّة من نقص العلماء في بلادنا فلا تكاد تجد عالمًا ربّانيًا واحدًا يركن إليه الناس ويستفتونه في أمورهم ويثقون بعلمه ، والدعوة أيضًا متماوتة والتصوّف منتشر . وكما تعلمون أن حاجة الناس للعلماء أشدّ من حاجتهم إلى الطعام والشراب كما قال الإمام أحمد ، وليس كما هي حاجتهم إلى الأطبّاء !! فسبحان الله ..
أنا صراحة لا أريد أن أضع كلمة والدي في التراب وأنا أعلم أنّه يريد مصلحتي ويريد لي حياة هانئة سعيدة ولا يريد لي أن أكون فقيرًا أطرق الأبواب في المستقبل . وأنا أعلم أن طاعة الوالد تعطي ثمارًا كثيرة . ولكن هذا ليس على حساب ديني .
وبارك الله فيكم .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما حكم مخالفة الوالد فعلى حسب ما يأمر به، فإن كان يأمر بمعروف من مباح أو مستحب أو واجب فيجب طاعته، وإن كان يأمر بمنكر أو ما يؤدي إليه فلا تجوز طاعته .

وبخصوص دخول الجامعة بما فيها من اختلاط فاحش ومنكرات ظاهرة فلا شك أن الواجب طلب البراءة لدينك وعرضك ، خاصة وأن القائمين عليها هم اليهود المحتلون لأرضكم والذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويحرصون كل الحرص على إفساد أبناء المسلمين وإلحاقهم بركبهم . وعدم وجود جامعة إسلامية في بلدك لا يسوغ لك تعريض نفسك للفتنة خاصة وأنت تقدر على السفر للعلم الشرعي . وليس عليك في مخالفة والدك حرج في هذه الحالة لكن عليك بإقناعه بالحسنى والتلطف معه في القول وأن تبين له حاجة المسلمين خاصة في بلدك لمن يعلمهم العلوم الشرعية ويفقههم في الدين.

كما لا يسوغ قول البعض في هذا المقام إن الضرورات تبيح المحظورات هكذا على الإطلاق لتبرير هذه الأوضاع القائمة، وإنما كل حالة تقدر بحسبها والضرورة تقدر بقدرها ، وقد عرَّف العلماء الضرورة بأنها " بلوغ الإنسان حداً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب، كالمضطر للأكل بحيث لو بقي جائعاً لمات أو تلف منه عضو أو فقد جارحة فهذا يبيح له تناول المحرم "، ومن ذلك قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ. { النحل: 106} والإكراه هنا بالقتل .

وقد وضع العلماء للضرورة ضوابط لا بد من مراعاتها، لئلا تتخذ وسيلة لارتكاب المحرم دون تحققها، ومن أهم هذه الضوابط:
أولاً: أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، فلا يجوز مثلا الاقتراض بالربا تحسباً لما قد يكون في المستقبل.
ثانياً : ألا يكون لدفع الضرورة وسيلة أخرى إلا مخالفة الأوامر والنواهي الشرعية.
ثالثاً: يجب على المضطر مراعاة قدر الضرورة، لأن ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، ولذلك قرر الفقهاء أنه لا يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة، إلا بما يسد رمقه.
رابعاً: ألا يقدم المضطر على فعل لا يحتمل الرخصة بحال، فلا يجوز له قتل غيره افتداء لنفسه، لأن نفسه ليست أولى من نفس غيره، ونحو هذا لكن ينبغي التنبيه إلى أن بعض المنهيات قد تجوز لما دون الضرورة إي إذا حصلت حاجة شديدة كقرب من الضرورة كالحاجة للتداوي فإنها تبيح كشف العورة. وبالجملة فهذا مبحث طويل لا تتسع الفتوى لاستيفاء أطرافه فيراجع في مظانه من كلام العلماء. وراجع الفتوى رقم: 15719، 1420 .

وأما إذا أمكنك التخلص من هذه المعاصي باعتزال أماكنها، والتحرز منها مع الالتزام بآداب الإسلام ، وترك الاختلاط المذموم ، فطاعة الوالدين هنا واجبة لعدم تحقق المعصية، ولإمكان الجمع بين خير الدراسة، وطاعة الوالدين مع عدم الوقوع في الإثم، ولْتكن في هذا المجتمع داعية خير للآخرين، وراجع لزاما الفتوى رقم: 2523.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني