الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تريد القرار في البيت وأبواها يريدانها أن تخرج للعمل

السؤال

ما شجعني على أن أكتب هذا السؤال هو قراءتي لسؤال أخت من الأخوات وردكم عليه بفتوى رقم 10867 لكني فكرت ربما إن طرحت عليكم وضعي بتفصيل يكون حكمكم أكثر دقة بإذن الله تعالى، مع العلم بأنه سبق لي وسألتكم عن حكم العمل بوظيفة فيها شبهة ربا... وضعي هو كالتالي: لقد تخرجت من كلية التجارة شعبة المحاسبة والتسيير المالي في العام الماضي واكتشفت حرمة العمل بوظيفة فيها شبهة التعامل بالربا فكففت عن البحث عن الوظائف حتى أعرف ماذا أفعل... فبقيت جالسة في البيت أتفادى فرص الوظائف التي من الممكن أن أقع بها في تلك الشبهة ولما طال مكوثي في البيت أنعم الله علي بحب القرار في البيت لأسباب كثيرة... المشكلة هي أن والداي مـصران وملحان علي أن أتوظف ومستحيل ثم مستحيل أن أقعد في البيت إذ كيف يعقل بعد كل هذه الدراسة أن أقعد في البيت وخصوصا أن والدي يود أن أساعده إذ أن مصاريفه كثيرة، ماذا أفعل وأنا أحببت القرار في البيت وما عدت أطيق فكرة الوظيفة وذلك للأسباب التالية:1- أن لي تركيبة نفسية غريبة يعني أني عندما كنت أدرس وكنت تحت ضعط الدارسة وتحدياتها وهمومها كنت غافلة تماما ولا يربطني بالله تعالى إلا الصلاة وحتى صلاتي ما كنت أخشع فيها أو أركز فيها وأقدمت في ظل غفلتي هذه على عدد من المخالفات... ولكني ما إن من الله علي بالقعود في البيت حتى اقتربت من الله تعالى وتبدل حالي الحمد لله... إذن فأنا أخاف أن يغفل قلبي ويحيد عن الصراط إذا خرجت للوظيفة فتلهيني مسؤولياتها إذ أن قلبي يغفل ويقسو لأبسط سبب وهذا سبب أساسي لرغبتي بالقرار في البيت. 2- السبب الثاني أن الله أنعم علي ببعض العبادات التي لن يتسنى لي أداؤها إذا أنا توظفت والمشكلة الكبرى هي أني إذا صليت في ظروف غير مناسبة لا أستطيع التركيز في صلاتي كما وأني سأضطر إلى أن أصلي في العمل وأخشى أن يكون المكان غير مناسب للصلاة وعدد من المشاكل... 3- السبب الثالث هو أني أدمنت على مشاهدة الدروس الدينية في النت والتلفاز فهي تذكرني بالله وتقوي عزيمتي ولو توظفت سيضيع مني ذلك وإذا انقطعت عن مشاهدة الدروس أخاف أن أغفل.4- والسبب الرابع هو لباس الحجاب فقد صرت مؤخراً ألبس الجلباب وفي الوظيفة غير مسموح بلبسه... يقولون لي إلبسي تنورة واسعة وبلوزة طويلة واسعة لكني لا أحب إلا الجلباب خصوصا وأن ما هو متوفر في السوق من ملابس لا يفي بالغرض من حيث الستر الآن, هذه أسبابي لرغبتي القرار في البيت وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها. لا أريد تأويل الحديث فأنا لست مؤهلة لذلك لكني فعلا لا أشعر بالقرب من الله تعالى إلا وأنا في البيت وعندما أخرج يبدأ قلبي بالزيغان- لا أعرف إن كان هذا معنى الحديث لكن هذا ما يحصل لي، المشكلة هي أن والداي الحبيبين لا يرضيان إلا أن أتوظف وحاليا وقد مر تقريبا عام على تخرجي والدي غاضب مني وحزين ووالدتي كذلك.. أسئلتي هي:1- فماذا أفعل، هل أتوظف وأترك القرار في البيت وتضيع مني كل تلك النعم، وأغامر بالوقوع في الغفلة إذ أني أعرف نفسي جيدا لكن في المقابل هل يضيع مني بر الوالدين وآخذ سخطهما والعياذ بالله وبالتالي سخط الله والعياذ بالله، فماذا أفعل مع العلم أنه من غــيـر الممكن إقناع والدي بأن أجلس في البيت، هذا يعني أن أحطمهما لأني كنت أملهما ووالدي يتمنى أن أساعده على النفقات مع العلم بأنه لديه دخلا وأنا أرضى بالقليل2- كما قلت مازلت حتى الأن لم أعمل وضاعت مني كثير من فرص العمل -أو بمعنى أصح نجوت منها- فلست أدري أهذه نعمة من الله أن يسر لي القرار في البيت أم أنه عقاب من الله أن تلك الفرص تضيع مني بسبب عقوقي بوالدي، إذا افترضنا أن عدم عملي عقوق.3- في كل محاولتي للتملص من الوظائف كنت أفضح أمام والدي فضحا بشكل أم بآخر فهل هذا دليل من الله على أني على خطأ؟4- بعض الأقارب يتدخلون لي للوظيفة فماذا أفعل لو جاءتني وظيفة وكيف أصدها؟5- هل أنا غير طبيعية أو عندي مرض في قلبي إذ أن قلبي يقسو ويغفل بسرعة وبسهولة؟6- هل في إصراري على لبس الجلباب دون غير (تنورة وبلوزة) أي مشكل أو تزمت.. فأرجو إرشادي فقد قهرتني الحيرة عندما أفكر بالعمل يدمي قلبي على الخروج من البيت وعندما أفكر بعدم العمل يدمي قلبي بسبب عقدة الذنب، قولوا لي ماذا أفعل بالضبط ولا تتتركوا لي الاختيار ؟

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

الأصل قرار المرأة في البيت ويجوز لها الخروج للحاجة من عمل أو غيره مع التزامها بآداب الإسلام عند خروجها وتعاملها مع الرجال الأجانب.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن قرار المرأة في البيت هو الأصل والخروج استثناء، قال الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ ... {الأحزاب:33}، وإذا احتاجت المرأة للخروج فيباح لها ذلك مع التزامها بآداب الإسلام في لباسها ومشيتها وتعاملها مع الرجال الأجانب فتلبس عند خروجها الحجاب الشرعي، وراجعي في مواصفات الحجاب الشرعي الفتوى رقم: 6745، وراجعي في آداب خروج المرأة من بيتها الفتوى رقم: 105835.

وأما خروج المرأة للعمل فيشترط له شروط أخرى منها أن يكون عملها مباحاً وأن لا يكون فيه خلوة أو اختلاط محرم أو تبرج، والظاهر من كلام السائلة أن هذه المحاذير أو بعضها موجودة في عملها إن خرجت للعمل، ولهذه الأسباب فإن قرارها بترك العمل قرار صحيح ويضاف إلى ذلك عدم حاجتها للعمل لقيام والدها بالنفقة عليها، ولا يلزمها أن تتكسب لتنفق على والديها، كما أنه لا يعد عقوقاً عدم طاعتهما في العمل مع وجود المحاذير المذكورة، وفي الحديث: إنما الطاعة في المعروف... رواه مسلم.

وبخصوص إصرارها على لبس الجلباب الساتر الذي يحقق مقصد الحجاب فإن هذا دليل على صدق إيمانها وليس فيه تزمت أو تطرف، كما أن ضعف إيمانها وزيادة غفلتها عندما تتواجد في أماكن الفتنة والاختلاط أمر طبيعي، ولذا أمر الله تعالى أن تجتنب الأماكن والأشخاص الذين يكونون سبباً في ضعف إيمان المخالط لهم أو غفلته، قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ... {النساء:140}، وفي الحديث: مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير... الحديث متفق عليه.

فلا ريب أن للأصدقاء والزملاء أثراً في سلوك الشخص سلبا أو إيجاباً والمرء على دين خليله، ونصيحتنا للأخت السائلة أخيراً أن تقر في بيتها إلا أن تجد عملاً لا محذور فيه، وأن تتلطف في إقناع والديها بصحة وشرعية قرارها عدم العمل في ظل الظروف الحالية، وأن تختار صحبة طيبة من النساء المؤمنات الصالحات يعنها على الخير ويذكرنها به، وراجعي في معنى حديث: إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان... الفتوى رقم: 75502.

واسعي في الحصول على زوج صالح بالإلتجاء إلى الله ثم بعرض نفسك على من ترينه كذلك، وليكن ذلك بواسطة أحد محارمك من الرجال أو إحدى محارمه هو من النساء، وثقي بأن الله لن يضيعك ما دمت قد اخترت سبيل الاستقامة والبعد عن المحرمات والشبهات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني