الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العفو عمن ظلمك من مكارم الأخلاق

السؤال

أنا كانت لي صديقة محبوبة كانت لي مثل الأخت تدرس معي وتلعب معي, كنا كالإخوة الذين لا يتفرقون إلا عند الموت, كنت أحبها كثيرا وكنت أثق فيها, أحيانا كنا نذهب معا إلى المدرسة وكانت لي أعز صديقة لي في الدنيا كلها لا أنساها أبدا مهما كلفني الأمر؛ لأن هذه الصديقة التي لم أثق فيها عندما كنت أنظر فيها نظرة مميزة فلولا هذه الصديقة لما كنت اكتشفت حالي, كانت تتكلم في غيابي كلاما لا يعاد مرة أخرى ولم أستطع أن أخبر والدي ولا والديها, ومنذ ذلك الحين نسيتها من بالي هي تسكن في العمارة الثانية, وأنا أسكن في العمارة الأولى ولا أذهب عندها أبدا فلن أسامحها إلا أن تعتذر لي وتطلب السماح .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالعفو من الأخلاق التي أمر بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ {الشُّورى:40} وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور: 22} وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.

والعفو والصّفح هما خلق النبيّ صلى الله عليه وسلم، سئِلَت عائشة رضي الله عنها عن خلُق رسولِ الله، فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.

واعلمي أيتها السائلة أن فساد ذات البين من المهلكات، فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا بلى قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني.

والأصل أنه يحرم هجران المسلم فوق ثلاث إلا لوجه شرعي، لحديث رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض ‏هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.

وجاء في سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني.

ويستثنى من ذلك أصحاب المعاصي والبدع والمنكرات فقد شرع لنا رسول الله هجرانهم وترك محادثتهم ومخالطتهم، وقد فعل ذلك بنفسه مع الثلاثة الذين خلفوا، قال كعب بن مالك أحد الثلاثة: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة.

وقال ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث في الفتح: فيها ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث. وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيا.

جاء في فتح الباري: وقال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت ‏مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب ‏هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.

فننصحك بمسامحة صديقتك وطلب الاعتذار منها ووصلها إن كان وصل الحال بينكما إلى الهجر.

وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5338، 39037، 61656.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني