الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زرع العنب وقطفه ليس محرما في حد ذاته ولكن...

السؤال

لا أريد أن أجادل العلماء في فتاواهم وليس لدي ذلك العلم الذي يؤهلني إلى ذلك المستوى, ونسال الله أن يفقهنا في الدين ويزيدنا علما، بخصوص الفتوى رقم 445 والتي تخص قطف العنب، إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم واضح وصريح حيث قال: لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها. رواه أبو داود والحاكم، فكما ترون فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذكر جميع مراحل وظروف الخمر والمتعاملين بها من مستهلكين وعاملين وتجار ابتداء من مرحلة عصر العنب لتحويله إلى خمر، فإذا اعتبرنا هذه مرحلة فإن هناك مرحلتين أخريين إحداهما قبل مرحلة العصر والأخرى تأتي بعدها، فالمرحلة الأولى هي مرحلة زرع العنب وقطفه كفاكهة مثل بقية الفواكه، حيث لم يُشر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تلك المرحلة المبكرة من عملية صناعة الخمر وإنتاجها (إذا جاز لنا قول ذلك بالتعميم) بل خصّ اللعن ابتداء من مرحلة العصر، فهل من المعقول أن يكون زرع العنب وقطفه (حراما في حد ذاته) إذا ما صنع به خمر فيما بعد!! والله أعلم، فأفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

من المعلوم بالضرورة أن زرع العنب وقطفه وبيعه ليس محرماً في حد ذاته، وإنما المحرم هو أن يكون ذلك من أجل اتخاذه خمراً فقط.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنشكر السائل الكريم على مطالعة فتاوانا ونرجو منه أن يوافينا بملاحظاته.. وبخصوص الملاحظة المذكورة فإن من المعلوم بالضرورة أن زرع العنب وقطفه وبيعه ليس محرماً في حد ذاته، وإنما المحرم هو أن يكون ذلك من أجل اتخاذه خمراً فقط، كما هو مبين في الفتوى رقم: 68479، والفتوى رقم: 12572.

فمن زرع العنب أو قطفه لمن يعلم يقيناً أو يظن ظناً قوياً أنه يعصرها خمراً فقد ساعد واشترك مع العاصر.. وانتهك النهي الوارد بقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، وهذا من باب سد الذريعة الذي هو أصل من أصول الاستدلال كما هو مقرر في أصول الفقه، قال صاحب المراقي:

سد الذرائع إلى المحرم * حتم كفتحها إلى المنحتم

قال شارحه: يعني أن سد الذرائع أي الوسائل الموصلة إلى المحرم حتم أي واجب كفتح الوسائل الموصلة إلى المنحتم وهو الواجب أيضاً. ومن أدلة ذلك: النهي عن سب آلهة الكفار إذا كان يؤدي إلى سب الله تعالى، كما في قوله تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام:108}، ومنها ما رواه البيهقي وغيره عن عمران بن حصين قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة.

ومن هذا الباب منع كل شيء علم البائع أن المشتري لا يستخدمه إلا في معصية الله تعالى، قال الدسوقي المالكي: يمنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز. فأصل الأمور المذكورة جائز في الشرع كما هو معلوم بالضرورة، ولكنها إذا أدت إلى الحرام تعتبر حراماً، فوسيلة الشيء كهو كما قال أهل العلم... وهذا مبحث طويل وله أدلة كثيرة، وأمثلة متفرقة في كثير من أبواب الفقه، كما أن له ضوابط بينها أهل الأصول في محلها، ويمكنك الرجوع إليها في مبحث سد الذرائع المعتبر منه والملغي والمتردد بينهما، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 104786.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني