الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كل متنطع في الدين ينقطع

السؤال

من المعلوم أنه يجب على المسلم إذا وجد ورقه بها اسم الله فيجب عليه حفظها وأنا والحمد لله أقوم بذلك قدر المستطاع فقد أجد ورقة بها اسم الله فأقوم بقطع الجزء الذي فيه لفظ الجلالة ثم أطبقه وأضعه فى كيس أو فى أي مكان لحين حرق الورقة لحفظها، والسؤال هو أني مرة قمت بتنظيف غرفتي فقمت بتنفيض ملاءة الكنبة فى غرفتي من بعض الشوائب عليها وإلى هنا سار الموضوع طبيعيا ولكن بعد ذلك بيومين أو أكثر أو أقل قمت من النوم فوجدت نفسي تحدثني ما أدراك وأنت تنفض تلك الملاءة أنه كان عليها ورقه صغيرة من التي تقطعها من بعض الورق وفيها لفظ الجلالة فشككت فى الأمر وأنه قد تكون هناك ورقه تم تنفيضها وأكيد وقعت على الأرض وتمادى الفكر معي أن هذه الورقة قد تكون صغيرة جداً تحتاج لفحص دقيق ويجب علي ألا أسير على أرضية الغرفة لأنه قد تكون الورقة على الأرض فأسير عليها ثم تمادى الفكر معي أكثر وقلت لا يصح أن أسير فى الشقة لأنه قد يكون انتقلت إلى أي مكان فى الشقة بأي طريقة وهناك احتمال أن أطأها بقدمي وهذا لا يجوزووقعت بسبب ذلك فى حرج شديد، فأولا لم أتيقن أنه كانت هناك ورقة فعلاً، فصرت أبحث فى الأرضية بلاطة بلاطة وأحضرت كشافا كهربيا للبحث الدقيق لأن هذا اسم الله ويجب العناية جيداً فى البحث وصرت أبحث بدقة لدرجة مرهقة حتى وصل الأمر بي أن يوسوس إلى أنه قد تكون الورقة قد لصقت فى حذائي وانتقلت إلى شقة أبي أو أي مكان من العمارة، وهنا يكون هناك احتمال أن أسير عليها وهذا إهانه لها فيجب البحث فى كل مكان سرت فيه وأصابني من ذلك هم شديد ولا أعرف ما الصواب والخطأ، ما الحق الذي يجب أن أتبعه.. وهل يجب علي فعلاً البحث عنها بهذه الطريقة أم يكفي كنس المكان كله بالمكنسة مرة واحدة رغم أني لا أستطيع القيام بذلك لأن نفسي تحدثني أن هذا لا يليق أن يتم كنسها بمكنسه فقد تجمع مع أشياء غير طاهرة ووساوس كثيرة من هذا النوع لا أريد أن أطيل عليكم بها ولكن أردت أن أضعكم فى الصورة لكي تفهموا حالتي، أعذروني لركاكة السؤال وسذاجته، وأتمنى أن تجيبوني ماذا يجب علي فعله لكي أرضي ربي ولا أقصر فى حقه سبحانه،مع العلم بأني غير متيقن من وجود ورقه كهذه ولكن شك أتذبذب فيه بين وجودها أو عدم وجودها؟ وشكراً لكم وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزى الله السائل الكريم خيراً على حرصه على تعظيم اسم الله وصيانته عن الابتذال، فإن هذا من تعظيم شعائر الله الدال على تقوى القلوب، قال سبحانه: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32}، فلا شك ولا خلاف في لزوم تعظيم اسم الله تعالى، ولكن ينبغي أن يتم ذلك في حدود المقاصد الشرعية، والتي منها رفع الحرج والمشقة عن العباد، كما قال الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:6}، وقال سبحانه: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا. رواه البخاري. قال ابن حجر: والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب. قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع.. وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد: إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة، وخير دينكم اليسرة. وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع. انتهى.

والمقصود أن ننبه السائل الكريم على أن تشديده على نفسه في هذا الباب من الوسوسة المذمومة، وهي باب مشهور للوقوع في العنت والمشقة، فلا تفتح على نفسك هذا الباب، واكتف بحفظ أو إحراق أو دفن ما وجدته ورأيته بالفعل مما فيه اسم الله تعالى دون تعمق وتفتيش، فإن العبد إذا فتح على نفسه باب الوسوسة وقع فريسة للشيطان، يلبس عليه ويصرفه عن أعماله، كما وقع للسائل نفسه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون. قالها ثلاثاً. رواه مسلم. قال النووي: أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. انتهى.

وللفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3086، 5148، 10355، 54808، 64649.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني