الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا حرج في الاقتصار على زيارتكم لأم زوجك إن لم تترك (الشمة)

السؤال

أنا متزوجة وأم لثلاثة أطفال أحب زوجي وبيتي ملتزمة والحمد لله -متحجبة أحافظ على صلاتي ما استطعت- لدي مشكلة مع أم زوجي- أحبها كثيراً لأنها طيبة وتحترمني- ولكنها وللأسف مدمنة على نوع من أنواع التبغ تدعي -النفة- وهي بودرة تستنشقها من أنفها، هي كانت تزورنا من حين لآخر وكنت أعاني كثيراً وهي لا تكترث، أيضا لا تنتبه حيث إن المكان الذي تجلس فيه وتنام يكون وسخاً والرائحة كريهة وهي ترمي بالمناديل المستعملة من دون حذر ولدي ابن صغير أقل من 3 سنوات لا يميز وقد يلعب بهذه المناديل، أنا حريصة جداً على نظافة بيتي لدرجة التعصب أحيانا، نصحناها ولكن دون جدوى من باب الحرمة والعفة.. حماتي الآن مريضة ولا تزورنا إلا إذا نحن أحضرناها بأنفسنا، فهل أكون آثمة إذا شرطت على زوجي أن يحرمها من التبغ مدة إقامتها عندنا وإلا غضبت، علما بأني أعاني من أمراض عديدة وقد تعرضت إلى نوبات عصبية نتيجة ضغوطات نفسية سابقا، هذا المشكلة أتعبتني وأنا أخاف أن أغضب الله أو زوجي، فهل أكون قاطعة رحم علما بأن علاقتي بحماتي طيبة للغاية أهاتفها ونزورها من حين لآخر فهي تسكن عند ابنها الكبير في بلدة أخرى، زوجي أيضا علاقته بها طيبة فهو الذي يأخذها للطبيب ويصرف عليها... فأفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد سبق الكلام مفصلا عن حكم استعمال التبغ، سواء بالشم أو بالتدخين في الفتويين رقم: 1671، والفتوى رقم: 20252 وبينا هنالك أن هذه الشمة فيها من الأضرار الصحية والاجتماعية ما لا يوجد في شرب الدخان، فهي بهذا أسوأ منه حالاً وأخطر منه مآلا، وما تفعله أم زوجك من استنشاق هذه المادة الخبيثة لا يجوز ويزداد الحظر والإثم عندما يبلغك أنت وأولادك الأذى والضرر جراء فعلها ذلك, وقد نهى الرسول الكريم عن الإضرار بالناس وذلك فيما رواه ابن ماجة عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قضى أن لا ضرر ولا ضرار. صححه الألباني. ومن القواعد الفقهية المتفق عليها أن الضرر يزال.

ولكن يبقى أن لهذه السيدة حقا عظيما على ابنها الذي هو زوجك, فقد أوصى الله ورسوله بالوالدين خصوصا الأم, وجاءت النصوص متواترة متعاضدة في الأمر بإكرامها غاية الإكرام, والنهي عن إيذائها ولو بكلمة, وهذا الحكم يشمل جميع الأمهات حتى وإن كن فاسقات، بل الظاهر أن هذا الحكم ينسحب كذلك على الأمهات المشركات، لأن الله سبحانه قال في محكم التنزيل: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وفهم من ذكر (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) أَثَر قوله (وإن جاهداك على أن تشرك بي..) أن الأمر بمعاشرتهما بالمعروف شامل لحالة كون الأبوين مشركين، فإن على الابن معاشرتهما بالمعروف، كالإحسان إليهما وصلتهما. انتهى.

وبناء على ما سبق فإن الذي نراه في مثل هذه الحالة هو أن يحاول زوجك أولاً أن يثني أمه عن هذه العادة السيئة القبيحة, وأن يبين لها حرمتها في الشرع, وقبحها في العادة والعرف, وأن يعدد لها مضارها الصحية والاجتماعية, فإن استجابت لذلك وإلا فليذكر لها -برفق وتودد- أن زوجته وأولاده الصغار يتأذون بهذه الرائحة الكريهة المنبعثة منها, وأن يطلب منها أن تتجنب شم هذه المادة مدة بقائها عندكم مراعاة للأولاد ومحافظة على صحتهم, وغالب الظن أنها ستستجيب لذلك؛ فقد جبلت النفوس على حب الأطفال الصغار, والحرص على ما ينفعهم والفرار مما يؤذيهم ويضرهم, خصوصا من آبائهم وأجدادهم، فإن لم تستجب فلا مانع حينئذ أن تقتصروا على زيارتكم لها, خاصة وأنها -كما ذكرت- لا تقوى على زيارتكم, وعليكم أن توصلوا لها ما تستطيعون من البر والإحسان وهي بعيدة عنكم. وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 24850.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني