الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تسلط الكافرين على المسلمين.. الأسباب.. وسبل دفعهم

السؤال

ما سبب تسلط الكافرين على المسلمين بالقتل والتدمير، وما دور المسلمين في الدفاع عن إخوانهم المستضعفين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما تسلط الكافرين على المسلمين بالقتل والتدمير، فنقول أولاً: إن الله عز وجل قد تفضل على هذه الأمة بأن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم، وإنما يقع التسلط على بعض المسلمين لا على جميعهم، قال الله عز وجل: وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً {النساء:141}، قال الشنقيطي في أضواء البيان: في معنى هذه الآية أوجه للعلماء: منها أن المراد بأنه لا يجعل لهم على المؤمنين سبيلاً يمحو به دولة المسلمين ويستأصلهم ويستبيح بيضتهم؛ كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان أنه قال: وإني سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة بعامة وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن الله قد أعطاني لأمتي ذلك حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً. ويدل لهذا الوجه آيات كثيرة كقوله: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ. وقوله: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ. وكقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا. انتهى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى معلقاً على حديث ثوبان: سأل ربه لأمته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطاه ذلك لكون ثبوت هذا الحكم في حق آحاد الأمة قد لا يحصل إلا بطاعة الله ورسوله، فإذا عصى الله ذلك الشخص العاصي عوقب عن ذلك بسلب هذه النعمة وإن كانت الشريعة لم تنسخ، يبين هذا أن في هذا الدعاء -يعني الوارد في آخر سورة البقرة- سؤال الله بالعفو والمغفرة والرحمة والنصر على الكفار، ومعلوم أن هذا ليس حاصلاً لكل واحد من أفراد الأمة، بل منهم من يدخل النار، ومنهم من ينصر عليه الكفار، ومنهم من يسلب الرزق لكونهم فرطوا في طاعة الله ورسوله، فيسلبون ذلك بقدر ما فرطوا أو قصروا. انتهى.

أما سبب تسلط الكافرين على بعض المسلمين فإن هذا التسلط من الابتلاء الذي يبتلي الله عز وجل به عباده، والابتلاء قد يكون اختباراً وامتحاناً من الله تعالى لعباده، قال سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {البقرة:155}، وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ {محمد:31}، وقد يكون بسبب الذنوب والمعاصي، قال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30}، ومن تأمل في أحوال المسلمين اليوم وما وقع فيه أكثرهم من الشركيات والانحرافات العقائدية والبدع، ومن التفريط في أركان الإسلام من الصلاة والصيام والزكاة، ومن ترك فروض الأعيان والكفايات التي بها قوام الدين كالجهاد وإقامة الحدود وتحكيم الشريعة والأمر المعروف والنهي عن المنكر، وتركهم الأخذ بأسباب القوة الدنيوية، من تأمل في ذلك علم أن هذا من أعظم الأسباب التي أدت لما يعانيه كثير من المسلمين من ذل وهوان، فقد تكالب على المسلمين الأعداء، وأذاقوا المسلمين من القتل والتدمير ما هو مشاهد، وقد ورد في بعض الأحاديث بيان لأسباب تسلط الكافرين على بعض المسلمين، فمن ذلك ما رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ، قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت.

وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. قال المناوي في فيض القدير: (وأخذتم أذناب البقر) كناية عن الاشتغال عن الجهاد بالحرث (ورضيتم بالزرع) أي بكونه همتكم ونهمتكم (وتركتم الجهاد) أي غزو أعداء الرحمن ومصارعة الهوى والشيطان (سلط الله) أي أرسل بقهره وقوته (عليكم ذلا) بضم الذال المعجمة وكسرها ضعفاً استهانة (لا ينزعه) لا يزيله ويكشفه عنكم (حتى ترجعوا إلى دينكم) أي الاشتغال بأمور دينكم وأظهر ذلك في هذا القالب البديع لمزيد الزجر والتقريع حيث جعل ذلك بمنزلة الردة والخروج عن الدين. انتهى.

وأما دور المسلمين في الدفاع عن إخوانهم المستضعفين فيجب على جميع المسلمين أولاً: العودة إلى دينهم والالتزام بأوامر الشرع ونواهيه، كما يجب عليهم نصرة إخوانهم بكل ما يستطيعون بالنفس أو المال أو الكلمة، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5843، 15964، 16515، 112880، 106748.

علماً بأن هذا الموضوع شديد الأهمية وهو موضوع كبير يحتاج إلى بسط وتفصيل، فيمكنك مراجعة المقالات الموجودة على موقعنا المندرجة ضمن موضوع فلسطين على الصفحة الرئيسة.

نسأل الله عز وجل أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً، وأن ينصر الإسلام ويعز المسلمين، ويذل الكفر والكافرين، ويدمر أعداء الدين، وأن ينصر إخواننا المستضعفين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني