الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم المسلم إذا قتل كافرا غير حربي بغير حق

السؤال

أعيد طرح سؤالي وأرجو الجواب... شاب مسلم من بلد عربي ذهب إلى بلد أوروبي وكان يعمل مع رجل غير مسلم من بلد أوروبي، الشاب المسلم طلب المال من الكافر فرفض الكافر فتشاجر معه المسلم ليجبره أن يريه مكان المال فرفض الكافر فقتل المسلم الكافر وشوهه، السؤال ما حكم هذا المسلم الذي قتل الكافر هل هو آثم وماذا يتوجب عليه في الحالتين: إذا كان المال من حقه- إذا لم يكن المال من حقه؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن ما فعل هذا الشاب يعتبر كبيرة من أكبر الكبائر وجريمة من أعظم الجرائم، فقد عظم الإسلام قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فقال تعالى: ... مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.. {المائدة:32}، وقال صلى الله عليه وسلم: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً. رواه البخاري وغيره.

ونصوص الوحي من القرآن والسنة في هذا المعنى كثيرة، فما كان يجوز لهذا الشاب قتل الرجل المذكور لمجرد أنه أخفى عنه مالاً سواء كان المال ملكاً له أو لغيره، وكون القتيل غير مسلم لا يرفع عنه هذا الوعيد الشديد والإثم العظيم، لأن الكافر غير الحربي -المسالم والمعاهد والذمي- محترم الدم والعرض والمال فلا يجوز الاعتداء عليه بغير حق شرعي، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 67113.

ولا شك أن إثمه يكون أعظم وجريمته أكبر إذا كان المال للمقتول، وقد اختلف أهل العلم هل يقتل به قصاصاً أم لا، فذهب أكثرهم إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر - المعاهد الذمي..- وذهب بعضهم إلى أنه يقتل به... وعلى القول أنه لا يقتل به فعليه التعزير -جلد مائة سوط وسجن سنة-، وهذا إذا كان القتل وقع عن مشاجرة وعداوة... أما إذا كان وقع غيلة غدراً لأجل المال.. فإنه يقتل به قولاً واحداً عند المالكية ومن وافقهم ولا عفو فيه لأولياء الدم ولا للسلطان بل ولا للمقتول نفسه.

قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة مع شرحه: وقتل الغيلة لا عفو فيه لا للأولياء ولا للسلطان ولا للمقتول أيضاً ولو بعد إنفاذ مقاتله، ولو كان المقتول كافراً والقاتل حراً مسلماً، لأن قتله على هذا الوجه في معنى الحرابة، والمحارب بالقتل يجب قتله ولو بعبد وكافر، فالقتل دفع الفساد في الأرض وهو حق لله لا للآدمي، وعلى هذا فيقتل حداً.

وقد استدل المالكية لمذهبهم هذا بآثار كثيرة منها ما رواه البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض قبول عذر الحارث بن سويد الذي قتل المجذر بن زياد غيلة..

وعلى كل حال فما كان يجوز لهذا الشاب الإقدام على قتل الرجل المذكور ولو كان المال من حقه وأحرى أن يكون من حق القتيل لأن إخفاء المال أو منع العامل من حقه ليس مما يبيح القدوم على قتل النفس التي حرم الله بغير حق، والحاصل أن على هذا الشاب دية المقتول، وإذا كان المال الذي أخفاه القتيل ملكاً له فللورثة الحق في المطالبة به، كما أن عليه أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى ويكثر من أعمال الخير والنوافل لعل الله تعالى يتجاوز عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني