الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأرض المأخوذة بوضع اليد ولم تستصلح هل تورَث

السؤال

الأرض البياح أو الأرض بوضع اليد عليها منذ زمن بعيد دون استصلاحها، فهل فيها ميراث عند تقسيمها بين القبيلة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما كان من الأرض مواتاً لم يُعلم تقدم ملكٍ لأحد عليه، فهو لمن أحياه بالسقي أو الزرع أو الغرس، فالأرض الموات تصير بعد إحيائها مملوكة لمن أحياها، أما من وضع يده على أرض موات بدون إحياء وذلك بالتحجير ونحوه، فإنه يصير أحق بها، ولكن لا يثبت له بذلك الملك، وهذا الحق ينتقل للوارث، ومن تحجر أرضاً مواتاً وترك إحياءها مدة طويلة، فللحاكم أن ينزعها منه، وفي بيان ذلك وبيان الفرق بين الحق والملك يقول الكاساني في بدائع الصنائع: ولو حجر الأرض الموات لا يملكها بالإجماع؛ لأن الموات يملك بالإحياء؛ لأنه عبارة عن وضع أحجار أو خط حولها يريد أن يحجر غيره عن الاستيلاء عليها، وشيء من ذلك ليس بإحياء فلا يملكها، ولكن صار أحق بها من غيره حتى لم يكن لغيره أن يزعجه؛ لأنه سبقت يده إليه، والسبق من أسباب الترجيح في الجملة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: منى مناخ من سبق. وعلى هذا المسافر إذا نزل بأرض مباحة أو رباط صار أحق بها، ولم يكن لمن يجيء بعده أن يزعجه عنها، وإذا صار أحق بها فلا يقطعها الإمام غيره إلا إذا عطلها المتحجر ثلاث سنين ولم يعمرها. انتهى.

ويقول ابن قدامة في المغني: وإن تحجر مواتا، وهو أن يشرع في إحيائه مثل إن أدار حول الأرض ترابا أو أحجارا، أو حاطها بحائط صغير، لم يملكها بذلك لأن الملك بالإحياء وليس هذا بإحياء، لكن يصير أحق الناس به؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فهو أحق به. رواه أبو داود. فإن نقله إلى غيره صار الثاني بمنزلته؛ لأن صاحبه أقامه مقامه وإن مات فوارثه أحق به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ترك حقا أو مالا، فهو لورثته. فإن باعه لم يصح بيعه؛ لأنه لم يملكه، فلم يملك بيعه كحق الشفعة قبل الأخذ به، وكمن سبق إلى معدن أو مباح قبل أخذه. قال أبو الخطاب: ويحتمل جواز بيعه؛ لأنه له.

فإن سبق غيره فأحياه، ففيه وجهان أحدهما أنه يملكه لأن الإحياء يملك به، والتحجر لا يملك به، فثبت الملك بما يملك به دون ما لم يملك به، كمن سبق إلى معدن أو مشرعة ماء، فجاء غيره فأزاله وأخذه. والثاني لا يملكه لأن مفهوم قوله عليه السلام: من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد. وقوله: في حق غير مسلم، فهي له. أنها لا تكون له إذا كان لمسلم فيها حق. وكذلك قوله: من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فهو أحق به. وروى سعيد في سننه أن عمر رضي الله عنه قال: من كانت له أرض يعني من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين، فجاء قوم فعمروها، فهم أحق بها، وهذا يدل على أن من عمرها قبل ثلاث سنين لا يملكها؛ ولأن الثاني أحيا في حق غيره، فلم يملكه كما لو أحيا ما يتعلق به مصالح ملك غيره، ولأن حق المتحجر أسبق، فكان أولى كحق الشفيع يقدم على شراء المشتري، فإن طالت المدة عليه فينبغي أن يقول له السلطان: إما أن تحييه، أو تتركه ليحييه غيرك لأنه ضيق على الناس في حق مشترك بينهم، فلم يمكن من ذلك، كما لو وقف في طريق ضيق، أو مشرعة ماء، أو معدن لا ينتفع به، ولا يدع غيره ينتفع فإن سأل الإمهال لعذر له، أمهل الشهر والشهرين، ونحو ذلك.. فإن أحياه غيره في مدة المهلة؛ ففيه الوجهان اللذان ذكرناهما، وإن تقضت المدة ولم يعمر فلغيره أن يعمره ويملكه؛ لأن المدة ضربت له لينقطع حقه بمضيها، وسواء أذن له السلطان في عمارتها، أو لم يأذن له، وإن لم يكن للمتحجر عذر في ترك العمارة، قيل له: إما أن تعمر، وإما أن ترفع يدك، فإن لم يعمرها، كان لغيره عمارتها، فإن لم يقل له شيء، واستمر تعطيلها فقد ذكرنا عن عمر رضي الله عنه أن من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين، فجاء قوم فعمروها، فهم أحق بها، ومذهب الشافعي في هذا كله نحو ما ذكرنا. انتهى.

وعليه، فالأرض المذكورة إذا لم يكن الميت قد بنى فيها أو أحدث فيها ما يعتبر إحياء فإنها لا تعتبر ملكاً له حتى تورث كما يورث ملكه مع أن حقه في الأسبقية فيها يرثه ورثته.. ولمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11567، 72839، 74272، 96116، 100354، 100769.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني