الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعاء الفقير المضطر؛ لا دعاء المستغني

السؤال

لقد استمعت لدرس يدور حول الدعاء، وقد جاء خلال الدرس مقولة -ادع دعاء مستجدي لا دعاء مشير- فهلا بينتم لنا معناها بتفصيل من فضلكم، فالمسلم مأمور بالدعاء وكيف لا يدعو ربه وهو يطلب من الكريم الذي يعطي بلا حساب، فهل إذا ما طلب المسلم من الله عز وجل شيئا معينا كأن يطلب مثلا أن يرزقه الله العيش في بيئة طيبة حيث يمكن أن يمارس دينه بسلاسة وتربية ذريته تربية حسنة، محدداً بلداً بعينه، هل يكون بذلك دخل في فئة من يدعو دعاء مشير، فأفيدونا؟ بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذه العبارة مأخوذة من كتاب: منهاج العارفين لأبي حامد الغزالي، وقد ذكرها في جملة حديث مرفوع، لفظه كما ذكره الغزالي: ... لا يستجيب الله الدعاء من قلب لاه، فإذا أخلصت فأبشر بإحدى ثلاث: إما أن يعجل لك ما سألت، وإما أن يدخر لك ما هو أعظم منه، وإما أن يصرف عنك من البلاء ما لو صبه عليك لهلكت، وادع دعاء مستجير لا دعاء مشير. انتهى.. ولم نجد هذا الحديث بهذا اللفظ في شيء من كتب الحديث التي بأيدينا، ومحل الشاهد منه هنا لم نجده لا بلفظه ولا بمعناه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذه العبارة تبين أدبا من آداب الدعاء وهو أن يدعو الداعي دعاء الفقير المضطر لا دعاء المستغني، وهو قريب من معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

وعلة هذا النهي كما قال المباركفوري في: مرعاة المفاتيح: أنه يتضمن إيهام الاستغناء الغير اللائق بمقام الدعاء والسؤال، فاللائق بالمقام تركه. انتهى.

وقال الباجي في المنتقى: في قوله: إن شئت. نوع من الاستغناء عن مغفرته، كقول القائل: إن شئت أن تعطيني كذا فافعل، لا يستعمل هذا إلا مع الغني عنه، وأما المضطر إليه فإنه يعزم مسألته ويسأل سؤال فقير مضطر إلى ما سأله. انتهى.

وأما ما أشار إليه السائل الكريم من سؤال شيء معين يرى العبد أن فيه خير دينه ومصلحة دنياه، فلا بأس به ولا يتعارض مع ما سبق، ولا يتعارض مع رضا العبد بقضاء الله تعالى، وهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع الله عز وجل. رواه البخاري والنسائي واللفظ له.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى يسأله الملح وحتى يسأله شسع نعله إذا انقطع. رواه الترمذي. وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير سيار بن حاتم وهو ثقة. انتهى. وحسنه الألباني في المشكاة.

وقالت عائشة رضي الله عنها: سلوا الله كل شيء حتى الشسع، فإن الله عز وجل إن لم ييسره لم يتيسر. قال الألباني: أخرجه ابن السني بسند حسن. انتهى.

وقد سبق ذكر شروط إجابة الدعاء في الفتويين: 11571، 71758.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني