الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يزوج ابنته ويطلقها مرارا رغبة في جمع المال

السؤال

رجل يزوج ابنته بقصد جمع المال، وكل زواج لا يدوم أكثر من أسابيع أو شهرين على الأكثر، وقد عرضنا عليه أن يزوجها لأحد أولاد بلده فرفض، ولقد حصل ذلك خلال عام واحد. تم نصحه ولا فائدة، همه المال، علما أنه يجبر ابنته على الزواج بشكل متكرر، هل يحق لنا كمجموعة أن ندعي عليه إلى القاضي وتوقيفه تحت أي مخالفة حرصا على مصلحة بنته ومصلحتنا، لأننا نشك بأن الموضوع لم يعد زواجا بل الزواج محاولة لغطاء جمع المال بأي شكل وتلبية شهواته، حيث قام بالزواج من امرأة أخرى ويبدد المال لنزواته.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذا الرجل آثم ظالم معتد على حق ابنته، بل هو خائن للأمانة التي حملها الله له من قيامه بمصلحة أولاده، مفرط فيما استرعاه الله إياه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم.

والراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يجوز جبر البنت على الزواج بمن لا تريد، كما بيناه في الفتوى رقم: 106567، وبينا أيضا أن البالغة العاقلة إذا أجبرت على الزواج بمن لا تريد، فإنه يحق لها أن ترفع أمرها للقاضي لفسخ هذا النكاح. يقول ابن القيم في زاد المعاد: وفي صحيح مسلم: البكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها.

وموجب هذا الحكم أنه لا تجبر البكر على النكاح ولا تزوج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السلف، ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه، وهو القول الذي ندين الله به، ولا نعتقد سواه وهو الموافق لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ونهيه، وقواعد شريعته ومصالح أمته. أما موافقته لحكمه، فإنه حكم بتخيير البكر الكارهة، وأما موافقته لأمره فإنه قال: والبكر تستأذن، وهذا أمر مؤكد لأنه ورد بصيغة الخبر الدال على تحقق المخبر به وثبوته ولزومه، والأصل في أوامره صلى الله عليه وسلم أن تكون للوجوب ما لم يقم إجماع على خلافه، وأما موافقته لنهيه فلقوله: لا تنكح البكر حتى تستأذن. فأمر ونهي، وحكم بالتخيير وهذا إثبات للحكم بأبلغ الطرق. انتهى بتصرف.
وكما لا يجوز لهذا الرجل أن يزوج ابنته بمن لا تريد، فكذلك لا يجوز له أن يجبرها على طلب الطلاق حتى يزوجها مرة أخرى، ولا يجوز له أن يطلقها من زوجها، فإن الطلاق حق للزوج وحده، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الطلاق لمن أخذ بالساق. حسنه الألباني، وهذا كناية عن الجماع أي إنما يملك الطلاق من يملك الجماع، ولا شك أن الذي يملك الجماع هو الزوج. وعليه، فإن على هذه البنت أن ترفع أمرها للحاكم ليرفع عنها ظلم أبيها، بل وليوقع به العقوبة الشديدة الرادعة التي تزجره وتزجر أمثاله عن العبث بالأعراض والحرمات، فإن لم تفعل البنت ذلك فإن عليكم أن ترفعوا أمره للقاضي والسلطات المختصة، ويكون هذامن باب تغيير المنكر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني