الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم نكاح من كان يسب الرب ولحوق أولاده به

السؤال

كانت عندنا ظاهرة سب الذات الإلهية بكثرة، والحلف بالطلاق أيضا. فهل كل المتزوجين يفسخ عقدهم مع زوجاتهم وعيشتهم حرام وزنا أم لا؟ وإذا كانت زنا فهل عقوبتها كالزاني ويعرف أنه زاني، وأنا أبي كان منهم لكن تاب والحمد لله. فهل نحن أبناء زنا ؟ وهل يجدد عقده على أمي أم لا بعدما تاب من ذلك؟ أرجو التوضيح في هذه المسألة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد أجمع العلماء على أن من سب الله تعالى كفر سواء أكان مازحا أم كان جادا أو مستهزئا. والردة -كما هو معروف- أحد أسباب التفريق بين الزوجين، فإن تاب المرتد فقد ذهب الشافعية والحنابلة في رواية لهم إلى عدم وجوب تجديد العقد على الزوجة المدخول بها إذا رجع إلى الإسلام وهي لا تزال في عدتها، وذهب الحنفية والمالكية والحنابلة في المشهور عندهم إلى وجوب تجديد العقد. والصحيح من أقول أهل العلم أن الفرقة بين الزوجين إذا ارتد أحدهما تتوقف على انقضاء العدة. وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 12447، 74023، 18293، 75463.

وقال الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: سبَّ الدين ردة عن الإسلام، وكذلك سبُّ القرآن وسب الرسول صلى الله عليه وسلم ردة عن الإسلام، وكفر بعد الإيمان، نعوذ بالله، لكن لا يكون طلاقاً للمرأة، بل يفرق بينهما من دون طلاق، فلا يكون طلاقاً بل تحرم عليه؛ لأنها مسلمة وهو كافر، وتحرم عليه حتى يتوب، فإن تاب وهي في العدة رجعت إليه من دون حاجة إلى شيء، أي إذا تاب وأناب إلى الله رجعت إليه. وأما إذا انتهت العدة وهو لم يتب فإنها تنكح من شاءت ويكون ذلك بمثابة الطلاق، لا أنه طلاق، لكن بمثابة الطلاق ؛ لأن الله حرَّم المسلمة على الكافر، فإن تاب بعد العدة، وأراد أن يتزوجها فلا بأس، ويكون بعقٍد جديدٍ أحوط ؛ خروجاً من خلاف العلماء، وإلا فإنَّ بعض أهل العلم يرى أنها تحل له بدون عقدٍ جديدٍ، إذا كانت تختاره، ولم تتزوج بعد العدة بل بقيت على حالها، ولكن إذا عقد عقداً جديداً فهو أولى؛ خروجاً من خلاف جمهور أهل العلم، فإن الأكثرين يقولون: متى خرجت من العدة بانت منه وصارت أجنبية لا تحل إلا بعقدٍ جديدٍ، فالأولى والأحوط أن يعقد عقداً جديداً، هذا إذا كانت قد خرجت من العدة قبل أن يتوب، فأما إذا تاب وهي في العدة فهي زوجته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الذين أسلموا بعد إسلام زوجاتهم على أنكحتهم قبل خروج زوجاتهم من العدة. اهـ.

وأما بالنسبة للأولاد، فإن كان الحمل بهم في حال الردة، وكان ذلك مع الجهل بحكم نكاح المرتد فهو كسائر الأنكحة الباطلة أو الفاسدة يثبت به النسب، بخلاف ما إذا كان الزوجان يعلمان الحكم، فقد اتفق الفقهاء على وجوب العدة وثبوت النسب في النكاح المجمع على فساده بالوطء كنكاح المعتدة وزوجة الغير والمحارم، إذا كانت هناك شبهة تسقط الحد، بأن كان لا يعلم بالحرمة؛ ولأن الأصل عند الفقهاء أن كل نكاح يدرأ فيه الحد فالولد لاحق بالواطئ، أما إذا لم تكن هناك شبهة تسقط الحد بأن كان عالما بالحرمة، فلا يلحق به الولد عند الجمهور، وكذلك عند بعض مشايخ الحنفية ؛ لأنه حيث وجب الحد فلا يثبت النسب. وعند أبي حنيفة وبعض مشايخ الحنفية يثبت النسب لأن العقد شبهة. كما جاء في الموسوعة الفقهية.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 69129.

وعلى كل فاحمد الله أن تاب أبوك إلى الله واحرص على بره وبر أمك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني