الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يسقط حق الأم على ولدها في البر ولو كانت مشركة

السؤال

توفي أبي وبعد حوالي أربع سنوات بدأت أمي تتعرف على ابن الجيران، وكان أصغر منها بحوالي عشرين عاما، فبدأت تسمح له بالدخول، وتخرج معه، وذات يوم استيقظت من النوم، وشاهدتها ترتدي ملابس غير لائقة أمامه، ثم طلبت مني أن أنام، ومرت السنون وهو يدخل بيتنا وحياتنا لدرجة أنه أصبح ينام على سرير واحد معها، وأنا نائمة بجوارها، وعندما كنت أعترض تقول لي أنا حرة، وعندما يكون لك بيت تحكمي فيه، وذات مرة شاهدته بالليل وهو في وضع غير لائق بجوارها، فعندما كنت أعترض كان يضربني أمامها، وهي لا تفعل شيئا، فقررت أن أجعله يتقدم لعمي لخطبتي لكي أجد له سببا فيما بعد لأتركه وأجعله لا يأتي عندنا، ولكن عندما قلت لا أريده ولا يأتي إلى هنا قالت حتى لو تركته سيأتي أيضا ولا بد أن تتزوجيه، وليس عندنا بنات تعترض على خطبتهن، لدرجة أنها مرة كسرت إطار أبي الزجاجي حتى أن وجهي نزف دما، وكانت تفعل تصرفات كثيرة معي تضايقني تدل على الغيرة، و بالفعل صممت على زواجي منه، وبعد زواجي منه شعرت أن علاقتهم انفصلت تماما، و دائما تقول أمام الناس أنها عملت معي أشياء كثيرة، وأنا بنت طماعة ومتعبة، وكل ذلك على العكس فهي كانت غير حنونة وعصبية، فقررت أن أحكي ما حدث منها لبعض خالاتي وبعض من كانت تحكي أمامهم عني لأني كنت أريد أن أقوم بهذه الخطوة منذ مدة، ولكني كنت لا أقدر على الإقدام عليها بسبب منعه لي مرة عندما شاهدته بالليل، فقررت أن أذهب إلى خالتي لأذاكر وأجلس عندها، فمنعني و بقيت في البيت، وبعد ذلك زوجت أخي وبنت له بيتا وجهزت له شقته، وكتبت البيت باسمه وأحضرت له سيارة، وتقول كل هذا من ماله، بالرغم من أنه بدأ يعمل قبل فترة قصيرة، حاولت أن تتصرف معي بعض التصرفات الحسنة مثلا تذاكر لابني، ترعاه في مرضه، وتحضر بعض الأشياء لبنتي، فقررت أن أكتب لها ورقة أقول فيها كل ما يضايقني منها؛ لأني حاولت أن أكلمها كانت تتهرب مني بالنوم بأي حجة، وبعد إرسال الورقة لها لم تتحدث معي أو تكلمني بالتليفون هل أنا عندما لا أكلمها لأن نفسيتي متعبة منها أي لا أقدر أن أكلمها أكون عاقة لها ويحبط عملي. أفيدوني أفادكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلمي أيتها السائلة أن حق الأم على ولدها عظيم، ولا يسقط هذا الحق في أي حال، حتى وإن كانت مشركة بالله تدعو ولدها للكفر والضلال، قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15}.

فالواجب عليك أن تتحملي أذى أمك لك، فكم تحملت هي من أجلك؟! تحملتك تسعة أشهر وأنت حمل في بطنها، وتحملتك وأنت طفلة رضيعة، لا تستطيعين رفع الضر عن نفسك، تَسْهَرُ لسهرك، وتتألم لمرضك، وتسعى ليلا ونهارا لخدمتك وإرضائك، فاصبري عليها، وتجنبي الإساءة إليها ولو بالتأفف.
قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {الإسراء:23-24}.

وعليك أن تجاهدي نفسك فيما تجدين من مشاعر البغض لها والنفور منها، ففي ذلك الفوز الكبير في الدنيا والآخرة.

ولكن لا يعني هذا ترك مناصحتها ولا الإنكار عليها إذا وقعت في معصية الله، كلا، بل هذا من واجبها عليك، وكان عليك إذ رأيت منها ما رأيت من علاقتها مع هذا الرجل أن تنصحيها برفق ولطف، فإن لم تستجب لك فكان عليك أن تخبري بعض أرحامها كأحد إخوتها أو أعمامها مثلا ممن يقدرون على منعها من ذلك ولو بالقوة.

ولكن أما وقد انتهت عن هذا، وقطع هذا الرجل علاقته بها، فالواجب عليك هو سترها، ولا يجوز لك أن تخبري بهذا الأمر أحدا لا خالتك ولا غيرها، ولكن كوني على حذر دائما في علاقة زوجك بأمك، فإن من اجتمعا على الشر سابقا يسهل على الشيطان أن يوقعهما فيه لاحقا، خصوصا مع تشابك العلاقات وقربها كما في حالتكم هذه، ثم ننصحك أن تعتني بزوجك في أمر دينه وعلاقته بربه، وتحضيه دائما على ذكر الله والصلاة، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ومن المفيد أن تدليه على صحبة صالحة يصحبها تكون عونا له على الاستقامة على طاعة الله سبحانه والقيام بأوامره.

وعليك أن تجتهدي في بر أمك بقدر ما تستطيعين، فإن اشتد أذاها لك، ولم تطيقي عليه صبرا، فيمكنك أن تقللي علاقتك بها بالقدر الذي يدفع عنك أذاها؛ لأن أمر البر والصلة لا يلزم منه ملازمتها ليلا ونهارا، ويمكنك حينئذ أن تكتفي بالسؤال عنها عن طريق الهاتف ونحوه، وزيارتها من حين لآخر، وإهدائها بعض الهدايا ولو كانت رمزية استئلافا لقلبها واستجلابا لمودتها.

هذا ويجب التنبيه على أن ما تقوم به أمك من تفضيل أخيك عليك في العطايا والهبات من غير مسوغ يقتضي ذلك الأمرغير جائز، كما بيناه في الفتوى رقم: 104031. ولكنه لا يسوغ لك عقوقها بحال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني