الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تضييع الأم حقوق أبنائها لا يسقط برها

السؤال

عائلة تتكون من 10أطفال. يعانون من مشكلة عويصة جدا وهي أن أمهم منذ صغرهم أي قبل10-17 سنة كل ما فعل أحدهم شيئا مهما كان بسيطا فإنها تعاديه أي لا تكلمه، ومهما فعل فهي تصر على موقفها ومضت الأيام وكبر الأولاد فأكبرهم يبلغ 28 سنة وأصغرهم 6سنوات. وهي اليوم لا تكلم سوى الثلاثة الصغار ولا تكلم أولادها ولا يكلمونها إلا عن طريق الوساطة، فقد تخلت عن بناتها منذ الصغر لم تعلمهم كثيرا من أمور البنات كالحيض. والطبخ .نشأوا الأيتام أفضل منهم بكثير.أتدرون ألم شخص أمه معه تحت سقف بيت واحد ولا تكلمه؟ أنا واحدة منهم أحاول الصلاة والصيام لعل الله يجد لنا مخرجا.
أطلب منكم النصح ومساعدتي في حل هذه المعضلة التي تفاقمت وصرنا حديث الأقرب فبدلا من حل المشكلة هم يشوهون صورتنا خاصة أن أمي تزيف الحقائق، وتجعل من نفسها دائما ضحية حتى أمام والدي الذي يعمل على إرضائها وإقفال الموضوع كلما فتحه أحدنا. وهكذا أصبحنا نعاني من الجفاء نحوها ونشأنا فاقدين لحنان أم هي تحيا بيننا وأظنه السبب في عدم تقدم الخطاب لخطبتنا، وأحيطكم علما أيضا أنها هي بذاتها كانت كلما أتى ضيف تدعي بأننا لا نساعدها في أعمال البيت وأنها تقوم بكل شيء لوحدها فيلقون اللوم علينا، حياتنا أشبه بجحيم فعدونا هو أمنا التي أنجبتنا والله يشهد أننا نبذل ما بوسعنا لمساعدتها. فمنذ وعيي لهذه الحياة وأنا أساعدها وأخواتي ونحن لم نبلغ سن 10 كنا نغسل الثياب والأواني ونغير لإخوتنا الصغار وندرس ...فهي كانت تنجب ونحن نربي. وقد قلنا ربما سحرت فالسحر يفرق بين أهل البيت والأرجح أنها جارة لنا كثيرا ما كانت تأخذ منا أشياء لا يتقبلها العقل الدقيق الزيت، وفي المناسبات نشم رائحة كريهة تنبعث من بيتها كالشعر المحروق أو ما شابه وبين ليلة وضحاها أصبحت تعيش في نعيم بعدما كانت في فقر مدقع وتخرج جميع أبنائها .فكلما شممنا تلك الرائحة تقع مصيبة في البيت وانتقلت عدوى والدتي إلينا وصرنا لأتفه الأسباب لا نحدث بعضنا. ولما سأل والدي شيخا عن تلك الرائحة قال له إنها تأخذ الخير من بيتنا وتبعد الأذى عن بيتها، وحقا فهي تزداد غنى وحالنا تزداد تدهورا، في كثير من المرات كنا نود الذهاب إليها وفضحها أمام الجيران ولكن يمنعونني عن ذلك بحجة أنه لا دليل لي. ومؤخرا أصبحت تعمد إلى تشويه صورتنا أمام الجيران وكانت تسرق هي وزوجها وأولادها الأشياء من فوق عليتنا .بالأحرى شيطان في هيئة إنسان وتتظاهر بأنها متدينة هي وأفراد أسرتها . بعد هذه القضة المريرة أو بالأحرى جزء من هذه القصة المريرة بماذا تنصحوننا سادتي المحترمين .كيف نتعامل مع حالنا وأمنا وحالنا مع بعض ومع هذه الجارة اللعينة التي تستحق الحرق حية ؟
فمن بعد الله ليس لي غيركم لألجأ إليه جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يفرج كربكم، ويذهب همكم وغمكم، ويصلح ذات بينكم ويصرف عنكم كيد الشيطان الرجيم، ونوصيكم بالرضا بقضاء الله والالتزام بتقواه سبحانه في جميع الأحوال، ثم استعينوا على ما أنتم فيه بالصبر والصلاة, فقد قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ. {البقرة: 45}. وقال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. {الطلاق: 2-3}. وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. {الطلاق: 4}.

ولا شك أن أمكم -سامحها الله- قد قصرت في حقوقكم وضيعت الكثير منها، ولكن هذا كله لا يسقط شيئا من وجوب برها وصلتها والإحسان إليها، فإن حقها من البر والمصاحبة بالمعروف باق على كل حال، وقد بينا ذلك في الفتاوى التالية: 96490، 22112، 11550.

وعليكم أن تتعاملوا معها بالصبر تارة والتغافل عن تصرفاتها تارة، والنصح والوعظ بأسلوب رقيق تارة أخرى، ثم يمكنكم أن توسطوا بينكم وبينها من يملك التأثير عليها من أرحامها أو صديقاتها أو جاراتها، ليعلموها بخطأ هذا الأسلوب في التعامل مع أولادها، مع كثرة التضرع والدعاء أن يصلح الله أحوالها ويعطف قلبها عليكم.

وعليكم بمراجعة علاقتكم بالله سبحانه لأن التفريط في حقوق الله سبب كبير في حصول العداوة والبغضاء كما قال الله سبحانه: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. {المائدة:14}.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:... أن ترك الواجب سبب لفعل المحرم قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. { المائدة: 14} سورة المائدة. فهذا نص في أنهم تركوا بعض ما أمروا به فكان تركه سببا لوقوع العداوة والبغضاء المحرمين وكان هذا دليلا على أن ترك الواجب يكون سببا لفعل المحرم كالعداوة والبغضاء. انتهى.

وأما ما تذكرين عن حال جارتكم هذه فلا يجوز المسارعة باتهامها بالسحر والشعوذة ونحو ذلك إلا ببينة واضحة وحجة ظاهرة, لأنها قد تكون بريئة من ذلك كله، وما ذكره هذا الرجل لأبيكم بشأن هذه الرائحة كذب محض وإفك مبين فإن مفاتح الخير والشر بيد الله وحده، ولا تقدر هذه المرأة ولا غيرها من البشر أن تصنع شيئا تدفع به عن نفسها الشر وتأخذ ما قسمه الله لكم من الخير، ومن اعتقد هذا أو صدقه فإنه زائغ ضال.

فإن ثبت لديكم أنها ممن يتعاطى السحر أو الشعوذة ومثل هذه المنكرات، فعليكم أن تتحصنوا من شرها بالرقية الشرعية المبينة في الفتاوى: 22104، 4310، 2244، 80694.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني