الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العبرة في وفاء الديون بالمثل لا بالقيمة

السؤال

أقرضني أخ مبلغ: 5000 دينار قبل 15 سنة فماطلت في تسديدها، ولما أردت أن أسدده إياها رفض المبلغ وقال لن أسامحك يوم القيامة، لأن المبلغ كان يشتري شاة حين أقرضني والآن لا يشتري حتى جديا، فهل أعطيه المبلغ الذي يرضيه أم أتصدق عليه بـ 5000 دينار؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمماطلة الغني القادر في سداد الدين ظلم بين وتعد على حقوق الغير، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم. متفق عليه.

وقال ـ أيضاً ـ صلى الله عليه وسلم: لي الواجد يحل عرضه وعقوبته. رواه النسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد والبخاري ـ تعليقاً ـ وحسنه الألباني.

قال النووي: قال القاضي وغيره: المطل منع قضاء ما استحق أداؤه، فمطل الغني ظلم وحرام، ومطل غير الغني ليس بظلم ولا حرام، لمفهوم الحديث، ولأنه معذور.

واللي: وهو المطل.

والواجد: الموُسر.

قال العلماء: يحل عرضه بأن يقول: ظلمني ومطلني.

وعقوبته: الحبس والتعزيز. انتهى.

وللدائن في هذه الحال أن يرفع أمر المدين للقاضي ليلزمه بالسداد ما دام قادراً، وعلى ذلك فلو كان السائل قادراً على السداد ولم يفعل وجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى وأن يستسمح الدائن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذت من سيئات أخيه فطرحت عليه. رواه البخاري.

ومع ذلك، فلا يجوز للمقرض أن يطلب فوق ما أعطاه، والمقترض لا يلزمه أن يرد قيمته ـ سواء انخفضت القيمة أو زادت ـ بل يلزمه رد مثل ما اقترض، فالعبرة في وفاء الديون بالمثل لا القيمة، وهذا ما عليه جمهور العلماء، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي.

فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة ـ أياً كان مصدرها ـ بمستوى الأسعار، وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 18116، 34725، 107748، 99163.

ومن ناحية أخرى: فإن المدين إذا قضى دينه ثم أحب أن يزيد عليه، رداً للإحسان ومكافأة للمعروف دون اشتراط من الدائن، فهذا أمر مستحب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن خياركم أحسنكم قضاءً. متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وصححه الألباني.

وراجع في ذلك الفتويين رقم: 101149، ورقم: 99217.

ويتأكد هذا في حال علم المدين بتضرر الدائن من تغير أسعار العملة، لا سيما وقد ذهب أبو يوسف - وعليه الفتوى عند الحنفية - إلى أنه يجب على المدين أن يؤدي قيمة النقد الذي طرأ عليه الغلاء أو الرخص يوم ثبوته في الذمة من نقد رائج، ففي البيع تجب القيمة يوم العقد، وفي القرض يوم القبض، وراجع الفتوى رقم: 20224.

وأما بالنسبة لما ذكره السائل من رفض الدائن لهذا المبلغ، فإن كان يعني أنه قبله منه بغير طيب خاطر فهذا لا يضر المدين من حيث خلو ذمته منه، وأما إن كان يعني أنه امتنع من قبضه وأبى أن يقبله، فإن ذمة المدين تخلو منه بتمكينه منه ودفعه إليه، على وجه يمكنه من تناوله، ولو أشهد عليه كان حسناً منعاً للنزاع والخصام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني