الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذهب الحنابلة في مسألة إدراك الركوع وقراءة المأموم الفاتحة

السؤال

كنت آخذ بقول الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في إدراك الركعة في صلاة الجماعة وأنها تدرك إذا ركعت ومكثت قدر تسبيحة مع الإمام، وسؤالي هو: هل هذا الحكم ينطبق على كل الركعات التالية؟ أم على الركعة الأولى فقط؟ فأحيانا يكون الإمام سريعاً بحيث لا أتم قراءة الفاتحة في الركعات التالية، فأظل قائماً حتى أتم الفاتحة ثم أركع وأحسبها كإدراك الركعة الأولى، فإن ركعت قبل أن يكبر الإمام للقيام من الركوع، ولكن دون أن أتم تسبيحة فإني أتم تلك الركعة في آخر الصلاة، فهل فعلي هذا صحيح؟ أم أنه من التنطع؟ أم أن في الأمر سعة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالركعة التي أدركت فيها الإمام راكعا هي التي تدرك بالركوع، وما سواها من الركعات فأنت مدرك له بائتمامك بالإمام، ولكن لو تعمدت التخلف عن إمامك حتى سبقك بركن بطلت صلاتك عند بعض العلماء ولم تبطل بذلك عند بعضهم، وفرق بعض العلماء بين أن يكون هذا الركن الذي تخلفت عنه هو الركوع أو غيره فتبطل إن تخلفت بالركوع ولا تبطل إن تخلفت بغيره وهو مذهب الحنابلة، قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله: والتخلُّفُ بالرُّكنِ معناه: أنَّ الإِمامَ يسبقك برُكنٍ، أي: أن يركَعَ ويرفعَ قبل أن تركعَ، فالفقهاءُ ـ رحمهم الله يقولون: إنَّ التخلُّفَ كالسَّبْقِ، فإذا تخلَّفتَ بالرُّكوعِ فصلاتُك باطلةٌ كما لو سبقته به، وإنْ تخلَّفتَ بالسُّجودِ فصلاتُك ـ على ما قال الفقهاءُ ـ صحيحةٌ، لأنه تَخلُّفٌ برُكنٍ غيرِ الرُّكوعِ.
ولكن القولُ الراجحُ ـ حسب ما رجَّحنَا في السَّبْقِ: أنَّه إذا تخلَّفَ عنه برُكنٍ لغيرِ عُذرٍ فصلاتُه باطلةٌ ـ سواءٌ كان الرُّكنُ ركوعاً أم غير ركوع
.

انتهى.

وانظر الفتوى رقم: 113697، وتخلفك عن الإمام لأجل إكمال قراءة الفاتحة عذر تكون معه مدركا للركعة حتى لو رفع الإمام من الركوع فإنك تركع وترفع وتتابع الإمام بعد فراغك من القراءة على الراجح عندنا.

وفي خصوص ما كنت تفعله فلا شك في أنه من الخطإ، ونحن نبين لك مذهب الحنابلة فيما سألت عنه إذا كنت إنما تريد تقليد المذهب، فاعلم أن مذهب الحنابلة أن من أدرك الركوع مع الإمام كان مدركا للركعة، ولا يشترط أن يدرك قدر الطمأنينة، وإنما يكفي أن يطمئن هو، والقول باشتراط الطمأنينة مع الإمام قول في المذهب وليس هو المعتمد.

قال الحجاوي في الإقناع: ومن أدرك الركوع معه قبل رفع رأسه غير شاك في إدراكه راكعا أدرك الركعة ولو لم يدرك معه الطمأنينة إذا اطمأن هو. وقال المرداوي في الإنصاف: قوله: ومن أدرك الركوع أدرك الركعة.

هذا المذهب مطلقا سواء أدرك معه الطمأنينة أو لا إذا اطمأن هو وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع والفائق.

وقيل: يدركها إن أدرك معه الطمأنينة وأطلقهما في المغني والشرح والرعاية الكبرى وابن تميم وابن عقيل والمستوعب والحاويين تبعا لابن عقيل.

انتهى.

ومذهب الحنابلة أن قراءة الفاتحة لا تجب على المأموم مطلقا لا في السرية ولا الجهرية، قال ابن قدامة في المغني: وجملة ذلك أن القراءة غير واجبة على المأموم فيما جهر به الإمام ولا فيما أسر به نص عليه أحمد في رواية الجماعة.

انتهى.

وقال البهوتي في دقائق أولي النهى: ويتحمل إمام عن مأموم قراءة الفاتحة فتصح صلاة مأموم بدون قراءة، لقوله تعالى: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا.

وحديث أبي هريرة مرفوعا: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرا فأنصتوا.

رواه الخمسة إلا الترمذي، وصححه أحمد في رواية الأثرم.

فلولا أن القراءة لا تجب على المأموم بالكلية لما أمر بتركها من أجل سنة الإستماع.

وحديث: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة.

رواه سعيد وأحمد في مسائل ابنه عبد الله والدار قطني.

وهو وإن كان مرسلا فهو عندنا حجة.

انتهى.

فإذا علمت ما تقدم، فإنك إذا أدركت الإمام راكعا فقد أدركت الركعة ولو لم تدرك الطمأنينة، ثم أنت فيما بعد تابع للإمام ليس لك أن تتعمد التخلف عنه بل عليك أن تتابعه في أفعاله كلها، وإذا ركع الإمام وأنت تقرأ الفاتحة فإنك تقطع القراءة، لأنها مستحبة وتتابع الإمام في الركوع، لأن متابعته واجبة هذا هو مذهب الحنابلة، قال في مطالب أولي النهى، فصل: والأولى لمأموم شروع في فعل صلاة بعد شروع إمام فورا، والمراد: بعد فراغ إمامه مما كان فيه، قاله ابن تميم وغيره، لحديث: فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا.

إذ الفاء للتعقيب، فلو سبق الإمام المأموم بالقراءة وركع، تبعه المأموم ويقطع القراءة التي شرع بها ويركع عقبه، لأن القراءة من المأموم مستحبة والمتابعة واجبة ولا تعارض بين واجب ومستحب.

انتهى.

هذا هو مذهب الحنابلة ـ كما قدمنا ـ ولكن الراجح عندنا هو وجوب قراءة الفاتحة على المأموم فلو ركع الإمام وأنت تقرأ الفاتحة فإنك تتم القراءة ولو رفع الإمام من ركوعه ما لم يسبقك الإمام بثلاثة أركان مقصودة وهذا مذهب الشافعي، وانظر للفائدة الفتويين رقم: 78989، ورقم: 111619.

فإذا علمت هذا فاعلم أن زيادة ركعة في الصلاة من مبطلاتها بلا شك، وما كنت تفعله هو زيادة ركعة في الصلاة، ولكنك معذور بجهلك بالحكم الشرعي، فلا يلزمك إعادة ما مضى من صلاتك التي زدت فيها ركعة جاهلا بالحكم، فإن الجاهل والمتأول معذور ومرفوع عنه الحرج على الصحيح من أقوال أهل العلم، لقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب:5}

ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بإعادة الصلاة التي قاموا فيها لخامسة متأولين ظانين وجوب متابعته صلى الله عليه وسلم، قال ابن قدامة: إن تابعوه جهلا بتحريم ذلك، فإن صلاتهم صحيحة، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم تابعوه في التسليم في حديث ذي اليدين، وفي الخامسة في حديث ابن مسعود فلم تبطل صلاتهم.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني