الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مناصحة ولاة الأمور من منهج أهل السنة والجماعة

السؤال

هل من الممكن في اعتقاد أهل السنة انتقاد الحكام، أو بدلا من ذلك فإن علينا أن نظل صامتين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن منهج أهل السنة والجماعة مناصحة ولاة الأمور، لأن هذا أمر قد ورد به الشرع الحكيم، روى مالك في الموطأ والإمام أحمد في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويسخط لكم قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال.

وثبت في صحيح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة. قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

وتكون هذه المناصحة بالرفق واللين والأسلوب الحسن، روى ابن أبي عاصم في السنة عن عياض بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم وتألف قلوب الناس لطاعتهم، قال الخطابي رحمه الله: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم وأن يدعى لهم بالصلاح.... انتهى.

فباب النصح باب من أبواب تغيير المنكر، وله آداب وضوابط يراد بها تحقيق المصلحة الشرعية.

وأما ما أسميته الانتقاد فلفظ يشعر بأمر آخر مذموم وهو التشهير بالحاكم وتعييره، ومثل هذا إنما هو باب من أبواب الفتنة ونشر الفاسد والفوضى كما هو واقع ومشاهد، وقد عقد ابن حبان في صحيحه باب (ذكر الاستحباب للمرء أن يأمر بالمعروف من هو فوقه ومثله ودونه في الدين والدنيا إذا كان قصده فيه النصيحة دون التعيير)، ثم ذكر بعده قصة هداية زيد بن سعنة رضي الله عنه وقد كان حبراً من أحبار بني إسرائيل وبيان أن تلطف النبي صلى الله عليه وسلم به كان سبباً في هدايته، وما أحسن ما نسب إلى الشافعي من قوله:

تعاهدني بنصحك في انفرادٍ * وجنبني النصيحة في الجماعه

فإن النصح بين الناس نوعٌ * من التوبيخ لا أرضى استماعه

فإن خالفتني وعصيت أمري * فلا تجزع إذا لم تعط طاعه

وللأهمية ومزيد الفائدة نرجو أن تراجع الفتوى رقم: 5870، وهي عن ضوابط في نصح ذوي المناصب.

وأما السكوت وترك النصح ممن كان قادراً عليه فلا يجوز، وأما من عجز عن الإنكار باللسان فأنكر بقلبه بأن كره هذا المنكر فلا يأثم، وراجع تفصيل ذلك في الفتويين:9250، 9358.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني