الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل حول نقض الوضوء بمس الفرج

السؤال

بعد الاطلاع على نواقض الوضوء، أريد أن أسأل سؤالاً هاماً لم أجد مثله في الموقع، كما أريد من فضيلتكم عدم إحالتي إلى فتاوى أخرى، خاصة وأنني أرسلت سؤالاً قبل ذلك خاصاً بالجزء الثاني من السؤال، وأحلتموني إلى فتاوى أخرى لم أجد ما أردته منها.
والسؤال هو: إذا مس ذكر الرجل فرج زوجته أو العكس بدون المس بيد أي منهما، وشعر الاثنان بلذة، فهل ينتقض وضوءهما؟ وإذا لم يشعرا بلذة فهل ينتقض أيضاً؟ وماذا إذا شعر أحدهما بلذة دون الآخر؟ علماً بأن هذا المس لم يترتب عليه إيلاج أو خروج مذي أو ودي أو ما شابه؟
كما أرجو أن توضحوا لي بالتفصيل مس الرجل فرج زوجته أو دبرها بيده أو العكس، وشعرا بلذة، فهل ينتقض وضوء الماس والممسوس؟ وإذا حدث اللمس من أحدهما لفرج الآخر ولم يشعر أي منهما بلذة، فهل ينتقض وضوؤهما أم لا؟ وما الحكم إذا شعر أحدهما دون الآخر بلذة ونشوة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فانتقاض الوضوء بمس بشرة الرجل لبشرة المرأة محل خلاف بين أهل العلم، وقد أجمل شيخ الإسلام أقوالهم في هذه المسألة فقال ما عبارته: وأما لمس النساء ففيه ثلاثة أقوال مشهورة: قول أبى حنيفة لا وضوء منه بحال وقول مالك وأهل المدينة وهو المشهور عن أحمد أنه إن كان بشهوة نقض الوضوء وإلا فلا، وقول الشافعي يتوضأ منه بكل حال، ولا ريب أن قول أبي حنيفة وقول مالك هما القولان المشهوران في السلف. انتهى.

وقال أيضاً رحمه الله: أما نقض الوضوء بلمس النساء فللفقهاء فيه ثلاثة أقوال طرفان ووسط أضعفها أنه ينقض اللمس وإن لم يكن لشهوة إذا كان الملموس مظنة للشهوة وهو قول الشافعي تمسكا بقوله تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ. وفي القراءة الأخرى: أو لمستم. القول الثاني أن اللمس لا ينقض بحال وإن كان لشهوة كقول أبي حنيفة وغيره وكلا القولين يذكر رواية عن أحمد لكن ظاهر مذهبه كمذهب مالك والفقهاء السبعة أن اللمس إن كان لشهوة نقض وإلا فلا. انتهى.

والراجح إن شاء الله هو قول أبي حنيفة وإحدى الروايات عن أحمد وهو أن المس لا ينقض مطلقاً، وإن كان الوضوء من مس المرأة لشهوة أحوط خروجاً من الخلاف، وهذا ما مال إليه شيخ الإسلام، فرجح استحباب الوضوء من مس النساء إذا كان لشهوة.

قال رحمه الله: وكذلك مس النساء لشهوة إذا قيل باستحبابه فهذا يتوجه وأما وجوب ذلك فلا يقوم الدليل إلا على خلافه ولا يقدر أحد قط أن ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر أصحابه بالوضوء من مس النساء لعموم البلوى بذلك وقوله تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ المراد به الجماع كما فسره بذلك ابن عباس وغيره. انتهى.

والحنابلة وإن كانوا يرون أن مس المرأة لا ينقض إلا لشهوة، فإنهم نصوا على أن مس فرج المرأة بالذكر ناقض مطلقاً لا لكونه مساً للمرأة، ولكن لكونه أبلغ من مس الفرج باليد، وهو ناقض للوضوء عندهم.

قال البهوتي رحمه الله: وينقض مسه أي الذكر بفرج غير ذكر فينقض مس الذكر بقبل أنثى أو دبر مطلقاً بلا حائل، لأنه أفحش من مسه باليد. انتهى.

وهذا من مفردات الحنابلة وهو معتمد المذهب وإن كان عندهم في المسألة خلاف.

قال في الإنصاف: فإن مسه بفرج غير ذكر نقض على الصحيح من المذهب: وعليه أكثر الأصحاب قال المجد اختاره أصحابنا وهو من المفردات، قال في الفروع: واختار الأكثر ينقض مسه بفرج وقيل لا ينقض اختاره بعض الأصحاب، وهو احتمال للمجد في شرحه. انتهى بتصرف.

وبه تعلم أن الرجل إذا مس بذكره فرج امرأته دون شهوة من أحدهما نقض ذلك عند الشافعية والحنابلة، فإن وجدت الشهوة عند أحدهما انتقض الوضوء عند مالك كذلك، وإنما ينتقض وضوء من وجدت منه الشهوة، ولا ينتقض الوضوء عند أبي حنيفة ما لم يخرج من الفرج ما يوجب الوضوء.

والأحوط هو الخروج من الخلاف والوضوء في مثل هذه الصورة المسؤول عنها.

وأما انتقاض الوضوء بمس الفرج، فهو محل خلاف بين أهل العلم، والراجح أنه ناقض مطلقاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: من مس ذكره فليتوضأ. رواه أبو داود وغيره.

وفي المسألة مناقشات طويلة، ومن العلماء من يرى المس غير ناقض مطلقاً كقول أبي حنيفة، ومنهم من يرى أنه ناقض إذا كان لشهوة فقط، وهو إحدى الروايات عن مالك، وإليه يميل شيخ الإسلام في بعض فتاواه، والراجح عندنا أنه ناقض مطلقاً، وإنما ينتقض الوضوء بمس الفرج بالكف، وقيل بباطنها، وفي انتقاض الوضوء بمس حلقة الدبر خلاف ومذهب الجمهور أنه لا ينقض، وقد أشبعنا القول في هذه المسائل بما تمكنك مراجعته في الفتوى: 132669، فإذا علمت هذا فاعلم أنه لا فرق عند القائلين بنقض الوضوء بمس الفرج بين أن يمس فرج نفسه أو فرج غيره خلافاً للظاهرية.

قال الشيرازي في المهذب: وإن مس فرج غيره من صغير أو كبير أو حي أو ميت انتقض وضوؤه. انتهى. وقال الموفق في المغني: فصل: ولا فرق بين ذكره وذكر غيره وقال داود لا ينقض مس ذكر غيره لأنه لا نص فيه. انتهى.

وأما الممسوس فرجه، فإنه لا ينتقض وضوؤه، وإنما ينتقض وضوء الماس فقط.

قال البهوتي في كشاف القناع: ولا ينتقض وضوء ملموس ذكره أو ملموس فرجه أي قبله أو ملموس دبره لأنه صلى الله عليه وسلم فيما تقدم أمر الماس بالوضوء ولو انتقض وضوء الملموس لأمره أيضا به. انتهى. وقال النووي في المجموع: الممسوس ذكره لا ينتقض وضوؤه على المذهب الصحيح. انتهى.

وبما مر تعلم أن الرجل إذا مس بيده فرج امرأته انتقض وضوؤه لكونه مس فرجاً، وسواء كان ذلك بشهوة أو بدونها على الراجح، وكذا إن مست هي فرجه، وإن مس حلقة دبرها والعكس انتقض وضوء الماس على القول بانتقاض الوضوء بمس حلقة الدبر وهو الصحيح عند الشافعية، وقول مرجوح عند الحنابلة، وأما الممسوس فرجه منهما فلا ينتقض وضوؤه إن لم يجد لذة إلا عند الشافعية القائلين بانتقاض الوضوء بمجرد لمس المرأة، فينتقض عندهم وضوء اللامس والملموس، فإن وجد الممسوس فرجه اللذة انتقض وضوؤه كذلك عند المالكية والحنابلة كما مر ذكره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني