الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسهمت بمالها في بناء بيت أبيها فوهبها نصفه دون إخوتها

السؤال

نحن سبعة إخوة ثلاث بنات وأربعة ذكور، من عشرين سنة ساعدت أبى في بناء البيت الذي نسكن فيه قبل أن أتزوج، وكان البيت قديما ومتهالكا وكان يساوى في ذلك الوقت يمكن عشرة آلاف دينار بحريني، بعد بنائه طلبت والدتي من أبي أن يكتب لي حقي في البيت، فوهبني والدي نصف المنزل باسمي ووثقه في المحكمة، ووقع اثنين من إخوتي الذكور على ذلك بالموافقة في المحكمة، ومر على ذلك إلى الآن 15 سنة، وارتفعت العقارات فجأة طلب مني إخوتي الذكور أن أتنازل وأكتفي بالمبلغ فقط الذي دفعته وبنيت به البيت، وأنا والله لا أتذكر المبلغ، وخاصموني منذ ذلك الوقت، وكل يوم يرسلون لي أحدا من الأهل ليكلمني حتى أتنازل، وأبى إلى اليوم حي أطال الله في عمره، وأمي توفيت، وأبي طلب مني كم مرة أن أبيع البيت، وآخذ حقي لأنهم أتعبوه كثيرا من كثرة ما يكلمونه بأن الذي فعله حرام، إلى من قبل أسبوع وصلتني إحضارية من المحكمة يطلبون مني الحضور وبعد سؤالي من أبي أخبرني بأن أخي أخذه إلى المحكمة ليشتكي علي وهو غير موافق على ذلك، لكن أرغموه وأخذوه عنوة، والله على ما أقوله شهيد. ماذا أفعل مع أني كلمت كم شيخ عندنا في البحرين وقال إن الذي فعله أبى ليس حراما، وكلمت أنا مرتين شيخا في الحرم المكي وأخبرني نفس الكلام، وأنا الآن عمري 47 سنة، وأريد التقاعد من العمل ومريضة، وأخبرتهم بذلك لكنهم لم يستجيبوا لي، وأخواتي البنات لم يوافقن على الذي طلبوه، لكنهم يستمعون إلى زوجاتهم. أريد الحل بسرعة لأن موعد جلسة المحكمة هو 28/3/2010

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلمعرفة جواب هذا السؤال لابد من التعرض لثلاث مسائل:

ـ المسألة الأولى: أن مساهمة السائلة مع أبيها في بناء البيت المذكور إن كانت فعلتها بنية التبرع والصلة، فلا تستحق نظيرها شيئا وثوابها على الله تعالى، وإن لم تكن على سبيل التبرع بل كانت تنوي أن تعود على أبيها بقدر هذه النفقة، فهي دين لها في ذمة أبيها. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 96917.

ـ المسألة الثانية: أنه لا يجوز للوالد تفضيل بعض أبنائه على بعض في العطية دون مسوغ شرعي، فإن خصص الوالد بعضهم بغير مسوغ بطلت الهبة ووجب ردها، على الراجح من أقوال أهل العلم، كما فصلناه في الفتويين رقم: 107734، 6242.

ومن المسوغات لتفضيل أحد الأولاد في الهبة أن يخص بها الوالد من أعانه مالياً في بناء أو تجارة ونحو ذلك، من باب المكافأة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها. رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: من آتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني. وراجعي الفتوى رقم: 59825.

ولابد في هذه الحال من مراعاة العدل في القدر الموهوب، بحيث يتناسب مع قيمة العون المثاب عليه، ففي السؤال الذي معنا كانت قيمة المنزل في ذاك الوقت عشرة آلاف، فخص الوالد إحدى بناته بنصفه لمساعدتها في البناء، فهذا يكون عدلا بشرط أن تكون قيمة مساعدة البنت: خمسة آلاف، وهي نصف قيمة المنزل قبل بنائه. وما زاد على ذلك فهو هبة بلا مسوغ، ويجب ردها إلى الوالد، على الراجح.

وخلاصة هذه المسألة أنه لا بد من النظر في قيمة المساعدة التي قدمتها السائلة لأبيها مقارنة مع قيمة المنزل قبل بنائه، فتستحق السائلة من المنزل بقدر هذه النسبة، وما زاد على ذلك فالراجح أنه يلزم رده للوالد.

وأما ما حكم به الإخوة الذكور بأن تكتفي السائلة بالمبلغ الذي دفعته بالفعل، فهذا ليس عدلا، فقد كان هذا المبلغ في ذاك الوقت يشتري من العقارات ما هو أكثر من الآن بكثير.

ـ المسألة الثالثة: أن الهبة تنفذ بقبضها وحيازتها، والرجوع فيها بعد قبضها لا يجوز، إلا الوالد فله أن يرجع فيما أعطى ولده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل للرجل أن يعطي عطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، قال الشافعي: لا يحل لمن وهب هبة أن يرجع فيها إلا الوالد فله أن يرجع فيما أعطى ولده. واحتج بهذا الحديث اهـ.

وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 6797. وعلى ذلك فإن أراد الوالد أن يرجع في هبته طواعية من غير إكراه من أبنائه فله ذلك.

والذي ننصح به السائلة هو: أن تسعى في مصالحة إخوتها، وإن كان ذلك بخسارة شيء من الدنيا، فإن الآخرة خير وأبقى، على أننا نبشر السائلة عندئذ بأن الله سيعوضها خيرا ويزيد في رزقها إن هي آثرت صلة رحمها وإصلاح ذات بينهم على نيل كامل حقها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه. متفق عليه. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة .. صلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة. رواه الترمذي وصححه وأبو داود وأحمد، وصححه الألباني. وراجعي الفتويين رقم: 45476، 53747.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني